الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطلب العدو

                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن عمر ، وابن سعد :

                                                                                                                                                                                                                              خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة الأربعاء راكبا مقنعا في الحديد .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وخلف سعد بن عبادة - رضي الله عنه - في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : ولما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون بحبيب مسجى ببرد أبي قتادة استرجعوا ، وقالوا : قتل أبو قتادة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ليس بأبي قتادة ، ولكنه قتيل لأبي قتادة ، وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه» .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سعد قال سلمة لحقنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخيول عشاء قال أبو قتادة - رضي الله عنه - في حديثه السابق : وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من أصحابه ، فلما نظر إليهم العسكر فروا قال : فلما انتهوا إلى موضع المعسكر إذا بفرس أبي قتادة قد عرقبت

                                                                                                                                                                                                                              فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله!! قد عرقبت فرس أبي قتادة ، قال : فوقف عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقال :

                                                                                                                                                                                                                              «ويح أمك ، رب عدو لك في الحرب» مرتين . ثم أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى إذا [ ص: 101 ] انتهوا إلى الموضع الذي تعالجنا فيه إذا هم بأبي قتادة - فيما يرون مسجى في ثيابه ، فقال رجل من الصحابة : يا رسول الله ، قد استشهد أبو قتادة ، قال ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «رحم الله أبا قتادة ، والذي أكرمني بما أكرمني به أن أبا قتادة على آثار القوم يرتجز» . فدخلهم الشيطان أنهم ينظرون إلى فرسي قد عرقبت ، وينظرون إليه مسجى عليه ثيابي .

                                                                                                                                                                                                                              قال : فخرج عمر بن الخطاب وأبو بكر - رضي الله عنهما - يسعيان حتى كشف الثوب ، فإذا وجه مسعدة ، فقالا : الله أكبر ، صدق الله ورسوله ، مسعدة يا رسول الله . فكبر الناس ، ولم ينشب أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللقاح ،

                                                                                                                                                                                                                              فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أفلح وجهك يا أبا قتادة ، أبو قتادة سيد الفرسان ، بارك الله فيك يا أبا قتادة» .

                                                                                                                                                                                                                              قال : قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، سهم أصابني ، والذي أكرمك بما أكرمك ، وفي ولدك وفي ولد ولدك - وأحسب عكرمة قال وفي ولد ولد ولدك . ما هذا بوجهك يا أبا قتادة ؟ قد ظننت أني قد نزعته ، قال : «ادن مني يا أبا قتادة» قال : فدنوت منه . قال : فنزع النصل نزعا رفيقا ، ثم بزق فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضع راحته عليه ، فو الذي أكرم محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة ما ضرب علي ساعة قط ، ولا قرح قط علي .


                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن عمر وابن سعد عن أبي قتادة قال : لما أدركني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم بارك له في شعره وبشره ، وقال : أفلح وجهك ، قلت : ووجهك يا رسول الله ، قال :

                                                                                                                                                                                                                              «قتلت مسعدة» ؟ قلت : نعم ،
                                                                                                                                                                                                                              وذكر نحو ما تقدم قال : فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة وكأنه ابن خمس عشرة سنة .

                                                                                                                                                                                                                              وذهب الصريخ إلى بني عمرو بن عوف ، فجاءت الأمداد ، فلم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم والإبل ، والقوم يعتقبون البعير والحمار حتى انتهوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي قرد قال ابن إسحاق : واستنقذوا عشر لقاح زاد - فيها جمل لأبي جهل ، وأفلت القوم بعشر .

                                                                                                                                                                                                                              وكانت راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقاب ، يحملها سعد بن زيد ، وكان شعارهم أمت أمت .

                                                                                                                                                                                                                              وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ صلاة الخوف ، وسيأتي بيانها في أبواب صلاته - صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف . [ ص: 102 ]

                                                                                                                                                                                                                              وقال سلمة : ولحقني عمي بسطيحة فيها مذقة من لبن ، وسطيحة فيها ماء فتوضأت وشربت .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عنه قال : لحقنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخيول عشاء انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              قال سلمة : فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على الماء الذي أجليتهم عنه ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ تلك الإبل ، وكل ما قد استنقذته من المشركين ، وكل رمح وبردة ، وإذا بلال نحر ناقة من الإبل التي استنقذت من القوم ، وشوى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سنامها وكبدها فقلت : يا رسول الله!! قد حميت القوم الماء ، وهم عطاش خلفي ، فانتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا يبقى مخبر إلا قتلته . فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه في ضوء النار ، وقال : «يا سلمة أتراك كنت فاعلا ؟ » قلت : نعم . والذي أكرمك . فقال : «ملكت فأسجح ، إنهم ليغبقون» وفي لفظ ليقرون في أرضغطفان» ،

                                                                                                                                                                                                                              فجاء رجل من غطفان وقال :

                                                                                                                                                                                                                              نحر لهم فلان جزورا ، فلما كشطوا جلدها رأوا غبارا ، قالوا : أتاكم القوم ، فخرجوا هاربين .


                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه في كل مائة جزورا .

                                                                                                                                                                                                                              وأقام - صلى الله عليه وسلم - بذي قرد يوما وليلة يتحسب الخبر .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث سلمة أنهم كانوا خمسمائة .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق ، ومحمد بن عمر ، وابن سعد : ويقال سبعمائة ، وبعث سعد بن عبادة - رضي الله عنه - بأحمال تمر ، وبعشر جزائر فوافت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي قرد ،

                                                                                                                                                                                                                              قال سلمة : فلما أصبحنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة» .

                                                                                                                                                                                                                              ثم أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم الفارس والراجل فجمعهما لي جميعا ، ثم أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة ، فلما كان بينها وبينه قريب من ضحوة ، وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق ، فجعل ينادي : هل من يسابق ؟ إلي رجل يسابق إلى المدينة ، فعل ذلك مرارا ،

                                                                                                                                                                                                                              وأنا وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مردفي ، قلت له : أما تكرم كريما ، ولا تهاب شريفا ؟ قال : لا ، إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي خلني فلأسابق الرجل ، قال : «إن شئت» قلت : أذهب ، فطفر عن راحلته ، وثنيت رجلي ، فطفرت عن الناقة ، ثم ارتبطت عليه شرفا أو شرفين ، يعني استبقيت نفسي ، ثم عدوت حتى ألحقه ، فأصك بين كتفيه بيدي ، وقلت : سبقتك والله ، فضحك وقال : والله إن أظن ، فسبقته حتى قدمنا المدينة ، فلم نلبث إلا ثلاثا حتى خرجنا إلى خيبر .
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 103 ]

                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن عمر وابن سعد : ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة يوم الاثنين ، وقد غاب خمس ليال .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الزبير بن بكار عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي قال : مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ذي قرد على ماء يقال له بيسان ، فسأل عنه ، فقيل : اسمه يا رسول الله بيسان - وهو مالح - فقال : «بل هو نعمان وهو طيب» فغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاسم - وغير الله عز وجل الماء ، فاشتراه طلحة ، فتصدق به

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية