الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر خبر المخلفين والمعذرين والبكائين

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عقبة - رحمه الله تعالى - : وتخلف المنافقون ، وحدثوا أنفسهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرجع إليهم أبدا ، فاعتذروا . وتخلف رجال من المسلمين بأمر كان لهم فيه عذر ، منهم السقيم والمعسر .

                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن عمر : وجاء ناس من المنافقين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليستأذنوه في القعود من غير علة ، فأذن لهم - وكانوا بضعة وثمانين رجلا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن مردويه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - استدار برسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجال من المنافقين حين أذن للجد بن قيس يستأذنون يقولون : يا رسول الله ائذن لنا فإنا لا نستطيع أن نغزو في الحر ، فأذن لهم ، وأعرض عنهم .

                                                                                                                                                                                                                              وجاء المعذرون من الأعراب فاعتذروا إليه فلم يعذرهم الله ، قال ابن إسحاق : وهم نفر من بني غفار ، قال محمد بن عمر ، كانوا اثنين وثمانين رجلا ، منهم ، خفاف ابن أيماء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنه - وابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وابن إسحاق ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ عن الزهري ، ويزيد بن رومان ، وعبد الله بن أبي بكر ، وعاصم بن محمد بن عمر بن قتادة وغيرهم : أن عصابة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءوه يستحملونه ، وكلهم معسر ذو حاجة لا يحب التخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ،

                                                                                                                                                                                                                              وهم سبعة ، واختلفوا في أسمائهم ، فالذي اتفقوا عليه سالم بن عمير من بني عمرو بن عوف الأوسي وعلبة - بضم العين المهملة وسكون اللام وبالموحدة - بن زيد - وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب . وهرمي - ويقال بإسقاط التحتية - ابن عبد الله - وهو بها - والذي اتفق عليه القرظي ، وابن إسحاق ، وتبعهم ابن سعد ، وابن حزم ، وأبو عمرو ، والسهيلي ولم يذكر الأخير ، والواقدي . عرباض - بكسر العين المهملة وسكون الراء وبالضاد المعجمة بن سارية بالمهملة وبالتحتية ، وجزم بذلك ابن حزم ، وأبو عمرو ، ورواه أبو نعيم عن ابن عباس ، والذي اتفق عليه القرظي وابن عقبة وابن إسحاق . عبد الله بن مغفل - بميم [ ص: 439 ] مضمومة فغين معجمة ففاء مشددة مفتوحتين - المزني ، وفي حديث ابن عباس : عبد الله بن مغفل فيهم ، وروى ابن سعد ويعقوب بن سفيان وابن أبي حاتم عن ابن مغفل قال : إني لأجد الرهط الذين ذكر الله تعالى : ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم [التوبة 92] الآية .

                                                                                                                                                                                                                              والذين اتفق عليهم القرظي وابن عمر : سلمة بن صخر ، ولفظ القرظي سلمان ، والذي اتفق عليه القرظي وابن عقبة : عمرو بن عنمة بفتح العين المهملة والنون - ابن عدي - وعبد الله بن عمرو المزني - حكاه ابن إسحاق قولا بدلا عن ابن مغفل ، وانفرد القرظي بذكر عبد الرحمن بن زيد أبي عبلة من بني حارثة ، وبذكر هرمي بن عمرو من بني مازن .

                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن عمر : ويقال إن عمرو بن عوف منهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سعد : وفي بعض الروايات من يقول فيهم : معقل - بالعين المهملة والقاف ابن يسار ، وذكر فيهم الحاكم حرمي بن مبارك بن النجار كذا في المورد ولم أر له ذكرا في كتب الصحابة التي وقفت عليها .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن عائذ فيهم : مهدي بن عبد الرحمن ، كذا في العيون ، ولم أر له ذكرا فيما وقفت عليه من كتب الصحابة ، وذكر فيهم محمد بن كعب : سالم بن عمرو الواقفي ، قال ابن سعد : وبعضهم يقول : البكاءون بنو مقرن السبعة ، وهم من مزينة انتهى ، وهم : النعمان ، وسويد ، ومعقل ، وعقيل ، وسنان وعبد الرحمن والسابع لم يسم ، قيل اسمه عبد الله ، وقيل النعمان ، وقيل ضرار ، وقيل [ . . . ] وحكى ابن فتحون - قولا - أن بني مقرن عشرة فيتعين ذكر السبعة منهم .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن إسحاق في رواية يونس وابن عمر : أن عبلة بن زيد لما فقد ما يحمله ولم يجد عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يحمله خرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء الله تعالى ، ثم بكى وقال : اللهم إنك أمرتنا بالجهاد ورغبت فيه ، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في مال أو جسد أو عرض ، ثم أصبح مع الناس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أين المتصدق هذه الليلة" فلم يقم أحد ، ثم قال : "أين المتصدق فليقم" فقام إليه فأخبره ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أبشر ، فو الذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة" .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر : لما خرج البكاءون من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أعلمهم أنه لا يجد ما يحملهم عليه لقي يامين بن عمرو النضري أبا ليلى وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان ، فقال : ما يبكيكما ؟ ، قالا : جئنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحملنا ، فلم نجد عنده ما يحملنا عليه ، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج ، ونحن نكره أن تفوتنا غزوة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهما ناضحا له ، وزود كل واحد منهما صاعين من تمر ، زاد محمد بن عمر . [ ص: 440 ]

                                                                                                                                                                                                                              وحمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلين ، وحمل عثمان بن عفان منهم ثلاثة نفر بعد الذي جهز من الجيش .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية