الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول: لم يصح في فضل التسمية به حديث، بل قال الحافظ أبو العباس تقي الدين ابن تيمية الحراني رحمه الله تعالى: كل ما ورد فيه فهو موضوع، ولابن بكير جزء معروف في ذلك كل أحاديثه تالفة.

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ: وأصحها ما

                                                                                                                                                                                                                              رواه ابن بكير عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه مرفوعا: « من ولد له مولود فسماه محمدا حبا لي وتبركا باسمي كان هو ومولوده في الجنة » .

                                                                                                                                                                                                                              قال: وإسناده لا بأس به وحسنه في موضع آخر.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وليس كذلك فإن في سنده أبا الحسن حامد بن حماد بن المبارك بن عبد الله العسكري، شيخ ابن بكير، قال الذهبي في الميزان والحافظ في اللسان: خبره هذا موضوع وهو آفته انتهى وشيخه هذا إسحاق بن سيار مجهول.

                                                                                                                                                                                                                              والوارد في ذلك

                                                                                                                                                                                                                              حديث عبد الله بن أبي رافع عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إذا سميتموه محمدا فلا تضربوه ولا تحرموه » رواه البزار من طريق أبي غسان بن عبد الله وفيه ضعف. وبقية رجاله ثقات .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أنس مرفوعا: تسمونهم محمدا ثم تسبونهم » .

                                                                                                                                                                                                                              رواه أبو داود والطيالسي من طريق الحكم بن عطية . قال البزار : لا بأس به وقال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث جابر بن عبد الله مرفوعا: « ما أطعم الطعام على مائدة ولا جلس عليها وفيها اسمي إلا قدسوا كل يوم مرتين » .

                                                                                                                                                                                                                              رواه ابن عدي من طريق أحمد بن كنانة الشامي

                                                                                                                                                                                                                              وقال: منكر الحديث. وقال الذهبي في الميزان وأقره الحافظ في اللسان أنه حديث مكذوب.

                                                                                                                                                                                                                              قال الشيخ رحمه الله تعالى: وقد وجدت للحديث طريقا آخر ليس فيه أحمد بن كنانة [ ص: 415 ] قال أبو سعيد النقاش في معجم شيوخه: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الخالق البندنيجي، حدثنا أبو صالح شعيب بن الخصيب، حدثنا العباس بن زيد البحراني، حدثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر به. قال الشيخ رحمه الله تعالى: رجاله ثقات.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن عباس : « من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسم أحدهم محمدا فقد جهل » .

                                                                                                                                                                                                                              رواه ابن عدي والطبراني من طريق ليث بن سعيد، حدثنا موسى بن أعين عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس به. ومصعب ضعيف وليث كذلك. ورواه الحارث ابن أبي أسامة من طريق إسماعيل بن أبي إسماعيل . قال الدارقطني : وهو ضعيف لا يحتج به.

                                                                                                                                                                                                                              وهذان الحديثان أمثل ما روي في هذا الباب وإسناداهما واهيان.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الإصابة ما نصه جشيب بعد الجيم شين معجمة ثم تحتانية ثم موحدة. روى ابن أبي عاصم من طريق ابن أبي فديك، عن جهم بن عثمان عن ابن جشيب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من تسمى باسمي يرجو بركتي غدت عليه بركتي وراحت إلى يوم القيامة » .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن منده رحمه الله تعالى: إن كان جشيب هذا الذي يروي عن سعيد بن سويد فهو تابعي قديم من أصحاب أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني: قال الحافظ أبو الخير السخاوي في فتاويه: لم يرد في المرفوع: « من أراد أن يكون حمل زوجته ذكرا فليضع يده على بطنها وليقل: إن كان هذا الحمل ذكرا فقد سميته محمدا فإنه يكون ذكرا » . إنما روى أبو شعيب عبد الله بن حسن الحراني في جزأيه عن عطاء قال: ما سمي مولود في بطن أمه محمدا إلا كان ذكرا » . قلت: وقد رفعه بعضهم كما رواه ابن الجوزي في الموضوعات عن عائشة بنت سعد عن أبيها. وفي سنده [عثمان] بن عبد الرحمن كذبه ابن معين . وقال ابن حبان : يروي عن الثقات الموضوعات.

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن النجار في تاريخ بغداد عن محمد بن سلام بن مسكين البغدادي قال: حدثنا وهب بن وهب، حدثنا جعفر بن محمد بن علي، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما قال: من كان له حمل فنوى أن يسميه محمدا جعله الله ذكرا وإن كان أنثى.

                                                                                                                                                                                                                              قال وهب : فنويت سبعة كلهم سميته محمدا. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وهب هذا أبو البختري متهم. وقد أورد أثره هذا الشيخ في الموضوعات وقال [ ص: 416 ] عقبه: وهب وضاع كذاب.

                                                                                                                                                                                                                              الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري في الصحيح والتاريخ، والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تعجبون » ولفظ البخاري في التاريخ: « يا عباد الله انظروا. وفي لفظ له: ألم تروا كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمما ويلعنون مذمما. وأنا محمد ».

                                                                                                                                                                                                                              قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه: كيف يستقيم ذلك وهم ما كانوا يسبون الاسم بل المسمى، والمسمى واحد؟ والجواب المراد: كفى الله اسمي الذي هو محمد يستهزأ بالسب.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الحافظ رحمه الله تعالى: كان الكفار من قريش من شدة كراهتهم في النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمونه باسمه الدال على المدح فيعدلون إلى ضده فيقولون: مذمم وإذا ذكروه بسوء قالوا:

                                                                                                                                                                                                                              فعل الله بمذمم. ومذمم، ليس هو اسمه ولا يعرف به، فكان الذي يقع منهم في ذلك مصروفا إلى غيره.

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية