الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : قال العراقي لم ينقل كيف كانت صفة الخاتم أمربعا أم مثلثا أم مدورا ؟ إلا أن التربيع أقرب إلى النقش فيه ، وحميد الراوي للحديث سئل عن ذلك ، فلم يدر كيف كان ، رواه أبو الشيخ في الأخلاق النبوية .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : ما روى ابن سعد عن أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي حدثنا عطاف بن خالد عن عبد الأعلى بن أبي فروة عن سعيد بن المسيب قال : ما تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عمر حتى لقي الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار والطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ، ولا عمر ، يلبسون خواتيمهم حتى قدم أبان على عمر رضي الله عنه بعد أن كانوا يتخذونها ، ولا يلبسونها - رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو الحسن الهيثمي : وهو وإن كان حسن الحديث ما يحتمل هذا منه ، كما خالف فيه الأثبات الذين رووا عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الخاتم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال الصحيح غير ابن لهيعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أبو بكر ولا عمر يلبسون الخواتم ، ولا يطبعون كتابا حتى كتب زياد بن أبي سفيان إلى عمر : إنك تكتب إلينا بأشياء ما نجد لها طوابع ، فاتخذ عند ذلك خاتما [ ص: 335 ] فطبع به . قال الهيثمي : وهو مخالف للأحاديث الصحيحة .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : قال بعض العلماء : كان في خاتمه صلى الله عليه وسلم من السر شيء ، كما كان في خاتم سليمان عليه السلام ، لما فقد خاتمه ذهب ملكه ، وعثمان رضي الله تعالى عنه لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر ، وخرج عليه الخارجون ، وكان ذلك ابتداء الفتنة التي أفضت إلى قتله ، واتصلت إلى آخر الزمان .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : قال الحافظ : ونسبة سقوط الخاتم من عثمان رضي الله تعالى عنه مجازية ، وإنما سقط من يد معيقيب فقد أخرج النسائي عن نافع ، وقال فيه : وكان في يد عثمان ست سنين من عمله ، فلما كثر عليه الفتن دفعه إلى رجل من الأنصار ، كان يختتم به ، فخرج الأنصاري إلى قليب لعثمان فسقط منه فلم يوجد ، وفي رواية أيوب بن موسى عن نافع عنه قال : وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : قال الحافظ : في كون نقش الخاتم ثلاثة أسطر كما تقدم ، ظاهره أنه لم يكن فيه زيادة على ذلك ، وأنه على هذا الترتيب لكن لم تكن كتابته على الترتيب العادي ، فإن ضرورة الاحتياج إلى أن يختم به يقتضي أن تكون الأحرف المنقوشة ملوية ليطبع الختم مستويا ، وأما قول بعض الشيوخ : إن كتابته كانت من فوق ، يعني الجلالة أعلى الأسطر الثلاثة ، ومحمد أسفلها ، فلم أر التصريح بذلك من شيء من الأحاديث ، بل رواية الإسماعيلي يخالف ظاهرها ذلك ، فإنه قال : محمد سطر ، والسطر الثاني رسول والثالث الله .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : قال الحافظ : لا تعارض بين حديث الخاتم الذي فصه حبشي ، والخاتم الذي فصه منه لأنه إما أن يحمل على التعدد ، وحينئذ فمعنى قوله : حبشي أي كان حجرا من بلاد الحبشة أو على لون الحبشة أو كان جزعا أو عقيقا لأن ذلك يؤتى به من بلاد الحبشة ، ويحتمل أن يكون فصه منه ، ونسب إلى الحبشة لصفة فيه ، إما الصناعة وإما النقش ، قلت : والأول أظهر ، والله تعالى أعلم ، لما قال البيهقي : هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان له خاتمان ، أحدهما فصه حبشي ، والآخر فصه منه ، إن كان الزهري حفظ حديث من ورق ، والأشبه بسائر الروايات أن الذي كان فصه حبشيا هو الخاتم الذي اتخذه من ذهب ، ثم طرحه ، واتخذ خاتما من ورق انتهى ، وذكر أنه لا يسمى خاتما إلا إذا كان له فص ، فإن كان بلا فص فهو حلقة ، والفص : مثلث الفاء كما ذكره ابن مالك رحمه الله تعالى في مثلثه .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : ما رواه الأربعة وصححه ابن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وأخرجه الضياء في المختارة برجال الصحيح إلا عبد الله بن مسلم المعروف بأبي طيبة قال الحافظ في التقريب : صدوق اتهم ، وعلى كل حال فالحديث حسن كما أشار إليه الحافظ في فتاويه عن [ ص: 336 ] بريدة بن الحصيب ، واللفظ للأربعة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاتم مشبه فقال : «ما لي أرى عليك ريح الأصنام ؟ » فطرحه ، ثم جاء ، وعليه خاتم من حديد ، فقال : «ما لي أرى عليك حلية أهل النار ؟ فقال : يا رسول الله من أي شيء أتخذه ؟ قال : «اتخذه من ورق ، ولا تتمه مثقالا فإن كان محفوظا حمل المنع على ما كان جديدا صرفا » .

                                                                                                                                                                                                                              وقد قال التيفاشي في كتاب الأحجار : خاتم الفولاذ مطردة للشياطين إذا كان عليه فضة ، فهذا يؤيد المغايرة في الحكم ، والأصل في النهي كونه للتحريم ، لأن الأصل في استعمال الفضة للرجال التحريم ، إلا ما رخص فيه ، فإذا حد فيه حد وجب الوقوف عنده ، وبقي ما عداه على الأصلي لكن قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي إن النهي في قوله : ولا تتمه مثقالا محمول على التنزيه ، فيكره أن يبلغ به وزن مثقال ، قال وفي رواية أبي داود عن الخطابي : ولا تتمه مثقالا ، ولا قيمة مثقال أولت هذه الزيادة أنه ربما وصف الخاتم بالنفاسة في صنعته إلا أن تكون قيمته قيمة مثقال فهو داخل في النهي أيضا انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وأفتى شيخ الإسلام سراج الدين العبادي بأنه يجوز أن يبلغ به مثقالا ، وإن ما زاد عليه حرام ، وظاهر صنيع الشيخ سراج الدين بن الملقن في شرح المنهاج يقتضيه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الأزرقي : لم يتعرض أصحابنا رحمهم الله تعالى لمقدار الخاتم ، ولعلهم اكتفوا بالعرف فما خرج عنه كان إسرافا ، والصواب الضبط بما نص عليه في الحديث وليس في كلامهم ما يخالفه ، وقال ابن العماد في التعقبات : وإذا جاز لبس الخاتم فشرطه أن لا يبلغ به مثقالا انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 337 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية