الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني عشر في آدابه- صلى الله عليه وسلم- بعد السلام

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في جعله يمينه للناس ويساره للقبلة بعد السلام واستقبالهم حالة الدعاء .

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم ، وأبو داود ، عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال : «إذا صلينا خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحببنا أن نكون عن يمينه ، فيقبل علينا بوجهه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن يزيد بن الأسود- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى الصبح في حجة الوداع ، ثم انحرف جالسا واستقبل الناس بوجهه ، فثار الناس يأخذون بيده ويمسحون بها وجوههم ، قال : فأخذت بيده فمسحت بها وجهي ، فوجدتها أبرد من الثلج ، وأطيب ريحا من المسك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر وأبو يعلى وابن حبان عن يزيد بن الأسود السوائي قال : «حججنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع فصلى صلاة الصبح ، فانحرف فاستقبل الناس بوجهه- صلى الله عليه وسلم- فإذا هو برجلين من وراء الناس . . » الحديث . [ ص: 164 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى صلاة الصبح أقبل علينا بوجهه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : «أخر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصلاة ذات ليلة إلى شطر الليل ، ثم خرج ، فلما صلى أقبل علينا بوجهه . . الحديث» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله تعالى عنه- قال : «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس . . » الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في رفعه- صلى الله عليه وسلم- صوته بالذكر بعد الصلاة .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام الشافعي ، والشيخان ، وأبو داود ، والنسائي ، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا بعد ذلك إذا سمعته ، وفي رواية : كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالتكبير .

                                                                                                                                                                                                                              ويأتي حديث عبد الله بن الزبير ، في رفعه- صلى الله عليه وسلم- صوته بالذكر في الباب الرابع عشر .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في مكثه- صلى الله عليه وسلم- مكان صلاته حتى يذهب الناس وتطلع الشمس .

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الفجر قعد حتى تطلع الشمس حسنا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «لأن أقعد من حين تصلى الصبح إلى أن تشرق الشمس أحب إلي من عتق أربع رقاب ، ولأن أقعد من حين تصلى العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من عتق أربع رقاب» . [ ص: 165 ]

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في مقدار ما يقعد- صلى الله عليه وسلم- بعد السلام .

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول : «اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت ذا الجلال والإكرام» .

                                                                                                                                                                                                                              والظاهر أن هذا القعود الذي كان عليه في الصلاة ، ثم يجعل يمينه للناس ويساره للقبلة جمعا بين الأحاديث فيحرر ذلك ، والله سبحانه وتعالى أعلم . [ ص: 166 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية