الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السابع عشر في سيرته- صلى الله عليه وسلم- في صلاة الجماعة .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في محافظته- صلى الله عليه وسلم- على صلاة الجماعة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال ثقات عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة ، فوجد الناس قد صلوا ، فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي بسند حسن عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال : «جاء رجل ، وقد صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : «أيكم يتجر على هذا» ، فقام رجل فصلى معه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء- وقد صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقام يصلي وحده ، فقال : «من يتجر على هذا فيصلي معه» .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في تسويته- صلى الله عليه وسلم- الصفوف .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ، ويقول :

                                                                                                                                                                                                                              «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : أقيمت الصلاة ، وأقبل علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بوجهه فقال : «أقيموا صفوفكم وتراصوا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عن محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة قال : «صليت إلى جانب أنس بن مالك يوما ، فقال : هل تدري لم صنع هذا العود ؟ قلت : لا والله ، قال : إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه ، ثم التفت فقال : «اعتدلوا سووا ، صفوفكم» ثم أخذه بيساره ثم قال : «اعتدلوا سووا صفوفكم» . [ ص: 189 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى [رأى أنا] قد عقلنا عنه ، ثم خرج [فقام حتى كاد يكبر ، فرأى رجلا باديا صدره من الصف ، فقال : «عباد الله لتسون صفوفكم ، أو ليخالف الله بين وجوهكم» ] .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عنه ، قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا إذا قمنا إلى الصلاة ، فإذا استوينا كبر» .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في استخلافه- صلى الله عليه وسلم- في الإمامة إذا خرج- صلى الله عليه وسلم- من المدينة .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : «استخلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابن أم مكتوم يؤم الناس» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «استخلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابن أم مكتوم على المدينة يصلي بالناس» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن عبد الله بن بحينة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سافر استخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، فكان يؤذن ويقيم فيصلي بهم» .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في تجوزه في الصلاة إذا سمع بكاء الصغير .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، والدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها ، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه ، من بكائه» .

                                                                                                                                                                                                                              ولفظ أبي قتادة : «كراهة أن أشق على أمه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني ، عن ابن سابط مرسلا ، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى الصبح فقرأ بستين آية فسمع صوت صبي فركع ، ثم قام فقرأ بآيتين ، ثم ركع» . [ ص: 190 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال : «ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد- برجال الصحيح- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سمع صوت صبي في الصلاة فخفف» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار برجال ثقات عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «إني لأسمع صوت الصبي وأنا في الصلاة فأخفف مخافة أن تفتن أمه» .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في صلاة النساء معه- صلى الله عليه وسلم- ، في المسجد .

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني ، عن سليمان بن أبي حثمة ، عن أمه ، وعن أم سليم بنت أبي حكيم- رضي الله تعالى عنهما- قالتا : «أدركنا القواعد من النساء ، وهن يصلين مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الفرائض» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال : «كن النساء يصلين مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الغداة ، ثم يخرجن متلفعات بمروطهن» .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : في مقاربته خطاه- صلى الله عليه وسلم- إذا قصد الصلاة مع الجماعة .

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني مرفوعا وموقوفا- ورجال الموقوف رجال الصحيح- عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال : كنت أمشي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونحن نريد الصلاة ، فكان يقارب الخطا ، فقال : «أتدري لم أقارب ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم قال : «لا يزال العبد في صلاة ما دام في طلب الصلاة» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : «إنما فعلت ذلك لتكتب خطاي في طلب الصلاة» .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : في تطويله الركعة الأولى من الظهر .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنه- قال : «كان [ ص: 191 ] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقوم في الركعة الأولى من الظهر حتى لا يسمع وقع قدم» .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن : في انتظاره- صلى الله عليه وسلم- كثرة الجماعة .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو داود مرسلا عن أبي النضر سالم بن أبي أمية- رحمه الله تعالى- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلا جلس لم يصل ، وإذا رآهم جماعة صلى» .

                                                                                                                                                                                                                              التاسع : في تذكره- صلى الله عليه وسلم- وهو في الصلاة أنه محدث ورجوعه إلى الإمامة .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان ، وابن ماجه ، والدارقطني ، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جاء إلى الصلاة ، فلما كبر ، انصرف ، وأومأ إليهم كما أنتم ، ثم خرج ، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ «أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : حتى إذا قام في مصلاه ، انتظرنا أن يكبر انصرف . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              فلما انصرف قال : «إني خرجت إليكم جنبا ، فنسيت أن أغتسل ، حتى قمت في الصلاة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال : «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقوم ، وليس هو على وضوء ، فتمت للقوم وأعاد هو» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال الصحيح ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل في صلاته فكبر وكبرنا معه ، فأشار إلى القوم كما أنتم فلم نزل قياما حتى أتانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد اغتسل ورأسه يقطر ماء» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والطبراني ، واللفظ له . عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال : صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما فانصرف ونحن قيام ، ثم جاء ورأسه يقطر ماء فصلى بنا ، ثم قال :

                                                                                                                                                                                                                              «إني كنت صليت بكم وأنا جنب ، فمن أصابه مثل الذي أصابني ، أو وجد في بطنه رزا فليصنع مثل الذي صنعت»
                                                                                                                                                                                                                              . [ ص: 192 ]

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ فلينصرف وليغتسل ، ثم ليأت فليستقبل صلاته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني ، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كبر بهم في صلاة الصبح ، فأومأ إليهم ، ثم انطلق ، ورجع ورأسه يقطر فصلى بهم ثم قال : «إنما أنا بشر [مثلكم] وإني كنت جنبا فنسيت» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- استفتح الصلاة فكبر ، ثم أومأ إليهم أن مكانكم ، ثم دخل فخرج ورأسه يقطر ماء فلما قضى صلاته قال : «إنما أنا بشر وإني كنت جنبا» .

                                                                                                                                                                                                                              العاشر : في صلاته- صلى الله عليه وسلم- خلف بعض أصحابه- رضي الله تعالى عنهم .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمامان : مالك ، وأحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- أنه غزا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تبوك ، قال : فتبرز- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الغائط فحملت معه إداوة وذكر الحديث ووضوء النبي- صلى الله عليه وسلم- فأقبلت معه حين سجد الناس ، قد قدموا عبد الرحمن بن عوف ، وقد ركع بهم ركعة ، فلما أحس بالنبي- صلى الله عليه وسلم- ذهب يتأخر ، فأومأ إليه فصلى بهم .

                                                                                                                                                                                                                              الحادي عشر : في إدارته- صلى الله عليه وسلم- من صلى على يساره- صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقمت عن يساره ، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال : «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره فجئت فقمت عن يساره ، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ، ثم جاء جابر بن صخر فقام عن يسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذ بأيدينا جميعا فأقامنا خلفه» . [ ص: 193 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والطبراني عن جابر بن صخر- رضي الله تعالى عنه- قال : «إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو بطريق مكة ، قال : «اتبعني بالإداوة» فتبعته بماء فتوضأ فأحسن وضوءه ، وتوضأت معه ، ثم قام يصلي فقمت عن يساره فأخذ بيدي فحولني عن يمينه فصلينا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار برجال موثقين عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأقامني عن يمينه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أنه لقي النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو قائم يصلي في ثوب واحد ، فقمت عن شماله ، فأدارني حتى جعلني عن يمينه» .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني عشر : في صفه الرجال ثم الصبيان ثم النساء .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، عن أبي مالك الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال : كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا أقام الصلاة صف الرجال ، وصف الغلمان خلفهم ، والنساء خلفهم .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث عشر : في صلاته- صلى الله عليه وسلم- في مكان أعلى من مكان المأمومين ليعلمهم .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، والنسائي ، والبيهقي ، عن سهل بن سعد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أول يوم جلس على المنبر ، فقام عليه فكبر ، وكبر الناس وراءه ، وهو على المنبر» .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع عشر : في أمره المؤذن إذا كانت ليلة مطيرة- أن يقول بعد الأذان ، ألا صلوا في رحالكم .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام مالك والشافعي ، وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي ، وابن ماجه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر ، أن يقول : ألا صلوا في رحالكم . [ ص: 194 ]

                                                                                                                                                                                                                              الخامس عشر : في اقتدائه- صلى الله عليه وسلم- بغيره .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه نوعان :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في اقتدائه- صلى الله عليه وسلم- بعبد الرحمن بن عوف .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام مالك ، وأحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- أنه غزا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتبرز النبي- صلى الله عليه وسلم- الغائط فحملت معه إداوة وذكر الحديث . ووضوء النبي- صلى الله عليه وسلم- وقال فيه وأقبلت معه حين سجد الناس ، فقدموا عبد الرحمن بن عوف وقد ركع بهم ركعة ، فلما أحس بالنبي- صلى الله عليه وسلم- ذهب يتأخر فأومأ إليه يصلي بهم فأدرك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إحدى الركعتين فصلى مع الناس الركعة الأخيرة ، فلما سلم عبد الرحمن ، قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتم صلاته ، فأفزع ذلك المسلمين ، فأكثروا التسبيح ، فلما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاته ، أقبل عليهم ، ثم قال : «أحسنتم وأصبتم» يغبطهم أن صلوا الصلاة بوقتها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد بسند صحيح عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- هل أم النبي- صلى الله عليه وسلم- أحد [من هذه الأمة] غير أبي بكر الصديق ؟ قال : نعم ، كنا في سفر فلما كان عند السحر انطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وانطلقنا معه ، حتى تبرزنا عن الناس ، فنزل عن راحلته ثم انطلق فتغيب عني حتى ما أراه ، فمكث طويلا ، ثم جاء فصببت عليه فتوضأ ومسح على خفيه ، ثم ركبنا ، فأدركنا الناس ، وقد أقيمت الصلاة ، فتقدمهم عبد الرحمن بن عوف وقد صلى بهم ركعة وهم في الثانية فذهبت أوذنه ، فنهاني فصلينا الركعة التي أدركنا وقضينا التي سبقتنا ، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- حين صلى عبد الرحمن بن عوف : «ما قبض نبي قط حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته» .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في اقتدائه- صلى الله عليه وسلم- بأبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، والترمذي- وقال : حسن صحيح- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خلف أبي بكر الصديق في مرضه الذي مات فيه ، قاعدا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي- وقال : حسن صحيح- والنسائي ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- [ ص: 195 ] قال : «صلى النبي- صلى الله عليه وسلم- خلف أبي بكر قاعدا في ثوب متوشحا به» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي في المعرفة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد مخالف بين طرفيه ، فلما أراد أن يقوم قال : «ادع لي أسامة بن زيد» فجاء فأسند ظهره إلى نحره فكان آخر صلاة صلاها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي عنه أيضا قال : آخر صلاة صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع القوم ، صلى في ثوب واحد متوشحا به خلف أبي بكر- رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن حبان في صحيحه ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- صلى بالناس ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الصف خلفه» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية