الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثامن في استدانته -صلى الله عليه وسلم- برهن وبغيره ، وحسن وفائه

                                                                                                                                                                                                                              وروى إسحاق وابن أبي شيبة والطبراني والبزار عن أبي رافع -رضي الله عنه- قال : نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف ، فبعثني إلى يهودي ، فقال : قل له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بعني أو أسلفني إلى رجب ، فأتيته ، فقلت له ذلك ، فقال : والله ، لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : والله ، لو باعني أو أسلفني إني لأمين في السماء ، أمين في الأرض ، اذهب بدرع الحديد إليه ، قال : فنزلت هذه الآية فيه؛ تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال الصحيح عن أبي حميد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- قال استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل تمر لون ، فلما جاء يتقاضاه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس عندنا اليوم من شيء ، فلو تأخرت عنا حتى يأتينا شيء ، فنقضيك ، فقال الرجل : واغدراه! فقام له عمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دعه يا عمر؛ فإن لصاحب الحق مقالا» ، انطلق إلى خولة بنت حكيم الأنصارية ، فالتمسوا عندها تمرا ، فانطلقوا ، فقالت : يا رسول الله ، ما عندنا إلا تمر الذخيرة ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : خذوا فاقضوا ، فلما قضوه ، أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : استوفيت ؟ قال : نعم ، أوفيت وأطيبت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن خيار عباد الله من هذه الأمة الموفون الطيبون» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه عن أبي عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلف منه حين غزا حنينا ثلاثين ألفا أو أربعين ألفا . وفي لفظ أحمد : ثمانين ألفا ، أو أربعين ألفا ، فلما قدم قضاها إياه ، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بارك الله في أهلك ومالك ، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه ابن أبي عمر ، وابن أبي شيبة ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلف . . فذكره .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمامان الشافعي وأحمد والشيخان والأربعة إلا أبا داود ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم دينار ، وفي لفظ : سن من الإبل ، فجاءه يتعاطاه ، فأغلظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هم به ، وفي لفظ : فهم به بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «دعوه؛ فإن لصاحب الحق مقالا ، فأعطوه ، فطلبوا سنا فلم يجدوا إلا سنا فوقها» وفي لفظ : «خيرا [ ص: 21 ] منها» قال : فاشتروه فأعطوه فإن من خياركم أحسنكم قضاء ، وفي لفظ : «فأمر له بأفضل من سنه ، فقال : أوفيتني أوفاك الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن خياركم أحسنكم قضاء» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري وأبو جعفر عن جرير ، وأحمد وأبو داود عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال : كان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه وقد استسلف منه شطر وسق فأعطاه وسقا ، فقال : نصف وسق لك ، ونصف وسق لك منا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار برجال ثقات عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل أربعين صاعا فاحتاج الأنصاري فأتاه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما جاءنا شيء» فقال الرجل : وأراد أن يتكلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تقل إلا خيرا ، فأنا خير من تسلف» فأعطاه أربعين وأربعين لسلفه ، فأعطاه ثمانين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : جاء رجل يطلب نبي الله صلى الله عليه وسلم بدين أو بحق فتكلم ببعض الكلام ، فهم به بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن صاحب الدين له سلطان على صاحبه حتى يقضيه» .


                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حليق النصراني ليبعث له أثوابا إلى الميسرة ، فأتيته ، فقال : ما الميسرة ؟ والله ما لمحمد ثاغية ولا داعية ، فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «كذب عدو الله ، أنا خير من باع ، لأن يلبس أحدكم من رقاع شتى خير له من أن يأخذ بأمانته ما ليس عنده» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن خولة بنت قيس امرأة حمزة بن عبد المطلب -رضي الله تعالى عنهما- قالت كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسق من تمر لرجل من بني ساعدة فأتاه يقتضيه ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار أن يقتضيه ، فقضاه إياه تمرا دون تمره ، فأبى أن يقبله ، فقال : أترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال ، نعم ، ومن أحق بالعدل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاكتحلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدموعه ، ثم قال : صدق ، من أحق بالعدل مني ، لا قدس الله أمة لا يأخذ [ ص: 22 ] ضعيفها حقه من قويها ، ولا يتعتعه . يا خولة عديه وأذهبيه واقضيه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام مالك عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : استلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا ، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة ، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي الرجل بكرا ، فقلت : لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أعطه إياه ، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال الصحيح عن عبد الله بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنه- قال : جاء رجل يهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقاضاه تمرا فأغلظ للرسول صلى الله عليه وسلم ، فهم به أصحابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما قدس الله ، أو ما يرحم الله أمة لا يأخذون للضعيف منهم حقه غير متعتع» ثم أرسل إلى خولة بنت حكيم ، فاستقرضها تمرا ، فقضاه ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كذلك يفعل عباد الله الموفون ، أما إنه قد كان عنده تمر لكنه كان خيرا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي وابن ماجه عن العرباض بن سارية -رضي الله تعالى عنه- قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي : اقضني بكري ، فأعطاه بعيرا مسنا ، فقال الأعرابي : يا رسول الله ، هذا أسن من بعيري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير الناس خيرهم قضاء» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية