الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : نقل ابن كثير عن الإمام أحمد وجماعة من الحفاظ أنهم صرحوا بوضع هذا الحديث . قلت : والظاهر أنه وقع له من طريق بعض الكذابين ولم يقع له من الطرق السابقة وإلا فالطرق السابقة يتعذر معها الحكم عليه بالضعف فضلا عن الوضع ، ولو عرضت عليهم أسانيدها لاعترفوا بأن للحديث أصلا وليس هو بموضوع وما مهدوه من القواعد وذكر جماعة من الحفاظ في كتبهم المعتمدة أو تقوية من قواه كما تقدم ويرد على من حكم عليها بالوضع .

                                                                                                                                                                                                                              التنبيه الثاني : قد علمت رحمني الله وإياك ما أسلفنا من كلام الحفاظ في حكم هذا الحديث وتبين لك ثقات رجاله وأنه ليس فيهم متهم ولا من أجمع على تركه ولا لك ثبوت الحديث وعدم بطلانه فلم يبق إلا الجواب عما أعل به وقد أعل بأمور .

                                                                                                                                                                                                                              الأمر الأول : من جهة بعض رجال طرقه فرواه ابن الجوزي من طريق فضيل بن مرزوق وأعله به ثم نقل عنه ابن معين تضعيفه وأن ابن حبان قال فيه كان يخطئ على الثقات ويأتي بالموضوعات انتهى ، وفضيل من رجال مسلم ووثقه السفيانيان وابن معين كما نقله عن ابن أبي خثيمة وقال عبد الخالق بن منصور أنه قال فيه صالح الحديث ، وقال الإمام أحمد لا أعلم إلا خيرا وقال العجلي جائز الحديث صدوق .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به ، وذكره البخاري في التاريخ ولم يضعفه وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : صالح الحديث صدوق يهم كثيرا نقل جميع ذلك شيخ الإسلام ابن حجر في «تهذيب التهذيب» ومن قيل فيه ذلك لا يحكم على حديثه بالوضع ثم ذكر ابن الجوزي أن ابن شاهين رواه عن شيخه ابن عبده من طريق عبد الرحمن بن شريك قال وعبد الرحمن قال فيه أبو حاتم واهي الحديث انتهى ، وعبد الرحمن هذا ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ ، وقال الحافظ ابن حجر في «التقريب» صدوق ثم قال ابن الجوزي وأنا لا أتهم بهذا إلا ابن عقدة أنه كان رافضيا انتهى ، فإن كان يتهمه بأصل الحديث فالحديث معروف قبل وجود ابن عقدة وقال الذهبي في مختصر منهاج الاعتدال لشيخه ابن تيمية لا ريب أن ابن شريك حدث به وجاء من وجه آخر قوي عنه انتهى . أراد الطريق الذي رواه ابن شاهين منه فابن عقدة لم ينفرد به بل تابعه غيره ، قال شاذان : حدثنا أبو الحسن علي بن سعيد بن كعب الدقاق بالموصل حدثنا علي بن جابر الأودي حدثنا عبد الرحمن بن شريك به حدثنا علي بن سعيد ، وعلي بن سعيد ، وعلي بن جابر ثقتان ، وثق الأول أبو الفتح الأسدي ، والثاني ابن حبان .

                                                                                                                                                                                                                              الأمر الثاني : قال الجوزقاني وابن الجوزي وغيرهما يقدح في صحة هذا الحديث ما في الأحاديث الصحيحة أن الشمس لم تحبس إلا ليوشع بن نون . انتهى . . [ ص: 439 ]

                                                                                                                                                                                                                              وأجاب الطحاوي في مشكل الآثار ، وأقرها ابن رشد في مختصره بأن حبسها غير ما في حديث أسماء من ردها بعد الغروب ، وقال الحافظ : في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «أحلت لكم الغنائم» من «فتح الباري» بعد أن أورد حديث حبس الشمس صبح ليلة الإسراء ولا يعارضه ما رواه أحمد بسند صحيح عن أبي هريرة «لم تحبس الشمس إلا ليوشع بن نون» إلى آخره ، ووجه الجمع أن لمصر محمول على ما معنى للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ، وقوله : «لم تحبس الشمس إلا ليوشع بن نون فيه نفي ، إنما قد تحبس بعد ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم» .

                                                                                                                                                                                                                              الأمر الثالث : في الاضطراب ، وتقدم رد ذلك في التنبيه المتقدم أول الكتاب .

                                                                                                                                                                                                                              الأمر الرابع : قال الجوزقاني ومن تبعه لو ردت الشمس لكان ردها يوم الخندق للنبي صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى . قلت : رد الشمس لعلي إنما كان بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يجئ في خبر قط أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في واقعة الخندق أن ترد فلم ترد بل لم يدع على أن القاضي عياضا ذكر في الإكمال أن الشمس ردت على النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة الخندق فالله أعلم ، وقد بينت ضعفه في كتاب «مزيل اللبس» .

                                                                                                                                                                                                                              الأمر الخامس : أعل ابن تيمية حديث أسماء بأنها كانت مع زوجها بالحبشة وقلت :

                                                                                                                                                                                                                              هو وهم بلا شك ، وبلا أدنى خلاف أن جعفر قدم من الحبشة هو وامرأته أسماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد فتحها ، وقسم لهما ولأصحاب سفينتهما .

                                                                                                                                                                                                                              الأمر السادس : قال ابن الجوزي : ومن تغفيل واضع هذا الحديث أنه نظر إلى صورة فضيلة ولم يتلمح إلى عدم الفائدة فإن صلاة العصر لغيبوبة الشمس صارت قضاء ورجوع الشمس لا يعيدها أداء . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : لثبوت الحديث على أن الصلاة وقعت أداء بذلك صرح القرطبي في التذكرة قال : فلو لم يكن رجوع الشمس نافعا وأنه لا يتجدد الوقت لما ردها عليه ذكره في باب «ما يذكر الموت والآخرة» من أوائل التذكرة ووجهه أن الشمس لما عادت كأنها لم تغب والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              التنبيه الثالث : ليحذر من يقف على كلامي هنا أن يظن بي أني أميل إلى التشيع والله يعلم أن الأمر ليس كذلك والحامل لي على هذا الكلام أن الذهبي ذكر في ترجمة الحافظ الجسكاني أنه كان يميل إلى التشيع ، لأنه أملى جزءا في طرق حديث رد الشمس وهذا الرجل ترجمه تلميذه الحافظ عبد الغفار بن إسماعيل الفارسي في «ذيل تاريخ نيسابور» فلم يسعفه بذلك بل أثنى عليه ثناء حسنا وكذلك غيره من المؤرخين نسأل الله تعالى السلامة من الخوض في أعراض الناس بما نعلم وبما لا نعلم . [ ص: 440 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية