الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني في كفالة عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفته بشأنه .

                                                                                                                                                                                                                              لما توفيت آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمه إليه جده عبد المطلب ورق عليه رقة لم يرقها على ولده .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله قال : كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة وكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي حتى يجلس عليه فيذهب أعمامه يؤخرونه فيقول جده : دعوا ابني .

                                                                                                                                                                                                                              فيمسح ظهره ويقول : إن لابني هذا لشأنا
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مثله . وزاد : دعوا ابني يجلس فإنه يحس من نفسه بشيء ، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد وابن عساكر عن الزهري ومجاهد ونافع وابن جبير قالوا : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس على فراش جده فيذهب أعمامه ليؤخروه فيقول عبد المطلب : دعوا ابني ليؤنس ملكا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال قوم من بني مدلج لعبد المطلب : احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال عبد المطلب لأم أيمن : يا بركة احتفظي به لا تغفلي عنه فإن أهل الكتاب يزعمون أنه نبي هذه الأمة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى المحاملي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : سمعت أبي يقول : كان لعبد المطلب مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره وكان حرب بن أمية فمن دونه يجلسون حوله دون المفرش ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وهو غلام لم يبلغ الحلم فجلس على المفرش فجذبه رجل فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عبد المطلب- وذلك بعد ما كف بصره : ما لابني يبكي ؟ قالوا له : أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه . دعوا ابني يجلس عليه فإنه يحس من نفسه بشرف وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البلاذري عن الزهري ومحمد بن السائب أن عبد المطلب كان إذا أتي بالطعام أجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه وربما أقعده على فخذه فيؤثره بأطيب طعامه ، وكان رقيقا [ ص: 130 ] عليه برا به ، فربما أتي بالطعام وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضرا فلا يمس شيئا منه حتى يؤتى به .

                                                                                                                                                                                                                              وكان يفرش له في ظل الكعبة ويجلس بنوه حول فراشه إلى خروجه فإذا خرج قاموا على رأسه مع عبيده إجلالا له وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر فيجلس على الفراش فيأخذه أعمامه ليؤخروه فيقول عبد المطلب : دعوا ابني ما تريدون منه ؟ إن له لشأنا . ويقبل رأسه ويمسح صدره ويسر بكلامه وما يرى منه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو نعيم عن محمد بن عمر الأسلمي عن شيوخه قالوا : بينا عبد المطلب يوما في الحجر وعنده أسقف نجران وهو يحادثه ويقول : إنا نجد صفة نبي بقي من ولد إسماعيل ، هذا البلد مولده ومن صفته كذا وكذا . وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليه الأسقف وإلى عينيه وإلى ظهره وإلى قدميه فقال : هو هذا ، ما هذا منك ؟ قال : هذا ابني . قال الأسقف : لا ، ما نجد أباه حيا . قال : هو ابن ابني وقد مات أبوه وأمه حبلى به . قال : صدقت . قال عبد المطلب لبنيه :

                                                                                                                                                                                                                              تحفظوا بابن أخيكم ألا تسمعون ما يقال فيه ؟ .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري في تاريخه وابن سعد والحاكم وصححه ، عن كندير بن سعيد بن حيوة ويقال حيدة ، عن أبيه ، والبيهقي عن معاوية بن حيدة قال الأول : خرجت حاجا في الجاهلية . وقال الثاني : خرجت معتمرا في الجاهلية . قالا : فإذا شيخ طويل يطوف بالبيت وهو يقول :


                                                                                                                                                                                                                              رد إلي راكبي محمدا اردده ربي واتخذ عندي يدا

                                                                                                                                                                                                                              فسألا عنه فقيل هذا سيد قريش عبد المطلب له إبل كثيرة فإذا ضل منها شيء بعث فيه بنيه يطلبونها فإذا غابوا بعث ابن ابنه ولم يبعثه في حاجة إلا أنجح فيها ، وقد بعثه في حاجة أعيا عنها بنوه وقد أبطأ عليه . قالا : فلم نلبث حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبل معه ، فقال له عبد المطلب : يا بني حزنت عليك حزنا لا تفارقني بعد أبدا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن الجوزي عن أم أيمن رضي الله تعالى عنها قالت : كنت أحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم فغفلت عنه يوما فلم أدر إلا بعبد المطلب قائما على رأسه يقول : يا بركة .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : لبيك . قال : أتدرين أين وجدت ابني ؟ قلت : لا أدري . قال : وجدته مع غلمان قريبا من السدرة ، لا تغفلي عنه فإن أهل الكتاب يزعمون أنه نبي هذه الأمة وأنا لا آمنهم عليه . [ ص: 131 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية