الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              التاسعة والثلاثون : وبأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك .

                                                                                                                                                                                                                              الأربعون : وبأن الملائكة تستغفر لهم حتى يفطروا .

                                                                                                                                                                                                                              الحادية والأربعون : ويغفر لهم في آخر ليلة منه .

                                                                                                                                                                                                                              روى الأصبهاني في ترغيبه ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أعطيت في رمضان خمس خصال لم تعطهن أمة كانت قبلكم : خلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك ، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ، وتصفد مردة الجن والشياطين ، فلا يصلون فيه إلى ما كانوا يصلون إليه ، ويزين الله تعالى جنته في كل يوم فيقول : يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة ، ويصيروا إليك ، ويغفر لهم في آخر ليلة من رمضان" فقالوا : يا رسول الله ، هي ليلة القدر قال : "لا ، ولكن العامل إنما يوفى أجره عند انقضاء عمله" .

                                                                                                                                                                                                                              الثانية والأربعون : وبالسحور .

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور" .

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة والأربعون : وبتعجيل الفطر .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو داود ، وابن ماجه ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "لا يزال هذا الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر ، إن النصارى واليهود يؤخرون" .

                                                                                                                                                                                                                              الرابعة والأربعون : وبتحريم الوصال في الصوم ، وكان مباحا لمن قبلنا .

                                                                                                                                                                                                                              الخامسة والأربعون : وبإباحة الكلام في الصوم ، وكان محرما على من قبلنا فيه ، عكس الصلاة .

                                                                                                                                                                                                                              قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي : كان من قبلنا من الأمم ، صومهم الإمساك عن الكلام ، مع الطعام والشراب ، فكانوا في حرج ، فأرخص الله لهذه الأمة بحذف نصف زمانها ، ونصف صومها ، وهو الإمساك عن الكلام ، ورخص لها فيه .

                                                                                                                                                                                                                              السادسة والأربعون : وبليلة القدر ، ولم تكن لمن قبلنا .

                                                                                                                                                                                                                              ذكره النووي في شرح المهذب ، قال : فيه ليلة القدر مختصة بهذه الأمة ، زادها الله [ ص: 351 ]

                                                                                                                                                                                                                              تعالى شرفا ،
                                                                                                                                                                                                                              لم تكن لمن قبلنا ، هذا هو الصحيح المشهور الذي قطع به أصحابنا كلهم ، وجماهير العلماء ، وقاله الحافظ في الفتح ، وجزم بذلك ابن حبيب ، وغيره من المالكية ، ونقله صاحب "العمدة" من الشافعية عن الجمهور ورجحه ، قال : وسميت ليلة القدر أي : ليلة الحكم ، والفصل ، وقيل : لعظم قدرها ، قال : ويراها من شاء الله تعالى من بني آدم ، كما تظاهرت عليه الأحاديث ، وأخبار الصالحين ، قال : وأما قول المهلب بن أبي صفرة الفقيه المالكي : لا يمكن رؤيتها حقيقة ، فغلط . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك في "الموطأ" : بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أري أعمار الناس قبله ، أو ما شاء الله من ذلك ، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر خيرا من ألف شهر .

                                                                                                                                                                                                                              روى الديلمي عن أنس -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن الله وهب لأمتي ليلة القدر ، ولم يعطها أحدا ممن كان قبلكم" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي حاتم عن عروة -رضي الله عنه- قال : ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما أربعا من بني إسرائيل عبدوا الله تعالى ثمانين عاما لم يعصوه طرفة عين ، فعجب الصحابة من ذلك ، فأتاه جبريل ، فقال : قد أنزل الله تبارك وتعالى عليك خيرا من ذلك ليلة القدر خيرا من ألف شهر ، هذا أفضل من ذلك ، فسر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس معه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق ، عن مجاهد رضي الله عنه ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رجلا من بني إسرائيل كان يقوم الليل حتى يصبح ، ويجاهد القوم بالنهار حتى يمسي ، فعل ذلك ألف شهر ، فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية : ليلة القدر خير من ألف شهر [القدر 3] ، فقيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : أشار الحافظ في الفتح إلى تضعيف قول من قال : إنها خاصة بهذه الأمة ، قال : وعمدة من قال بهذا القول أثر مالك إلى السابق ، وهو محتمل للتأويل فلا يدفع التصريح من حديث أبي ذر عند النسائي قال : قلت : يا رسول الله أتكون مع الأنبياء ، فإذا ماتوا رفعت أم هي باقية إلى يوم القيامة ؟ قال : بل هي باقية إلى يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                              قال شيخنا في شرح الموطأ : وهذا الحديث الذي ذكره أيضا محتمل التأويل ، وهو أن مراده هل يختص بزمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أم ترفع بعد موته بقرينة مقابلة ذلك بقوله : أم هي باقية إلى يوم القيامة ، فلا يكون فيه معارضة لأثر الموطأ .

                                                                                                                                                                                                                              وقد ورد ما يعضده ، ففي فوائد أبي طالب المكي من حديث أنس -رضي الله عنه- "أن الله تعالى وهب لأمتي ليلة القدر ولم يعطها من كان قبلهم" .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية