الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني في الكلام على الملائكة- صلى الله عليهم وسلم-

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في اشتقاق لفظ الملك وكيفية تصريفه .

                                                                                                                                                                                                                              فقيل : هو مشتق من الألوكة وهي الرسالة وكذلك المألكة (ومنه قولهم : ألكني إليه ) قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                              أبلغ النعمان عني مألكا أنه قد طال حبسي وانتظاري

                                                                                                                                                                                                                              أي : رسالة ، ويقال فيها : ألوك أيضا قال لبيد :


                                                                                                                                                                                                                              وغلام أرسلته أمه     بألوك فبذلنا ما سأل

                                                                                                                                                                                                                              وقيل في الملك : إنه جمع مألكة ، لما كانت الملائكة رسلا سميت لذلك .

                                                                                                                                                                                                                              قال الخليل بن أحمد - رحمه الله تعالى- : إنما سميت الرسالة مألكة ، لأنها تلوك في الفم من قولهم : فرس مألك اللجام أي : يعلكه ، وعلى هذا أصله مألك لكنهم قالوا في جمع مألك : ملائكة ، فأتوا بالهمزة في موضع عين الكلمة فيكون واحده مألكا ، وقد جاء ذلك في الشعر أنشد أبو وجزة :


                                                                                                                                                                                                                              فلست لإنسي ولكن لملأك     ينزل من جو السماء يصوب

                                                                                                                                                                                                                              ووجه اشتقاقه من الألوكة يقتضي أن يكون مقلوبا ، قلبت فاؤه إلى موضع عينه ، ووزن ملأك معفل وإنما قلبت ليخفف بنقل حركة همزته ، فلما نقلت حركة همزته إلى الساكن قبلها حذفت تخفيفا لها ، فقيل : ملك ، ولهذا ردت همزه في جمعه فقيل : ملائكة وزنه : معافلة على هذا القول .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن كيسان : هو الملاك فيكون فعالا ، وأصله ملأك أيضا ، لورود الهمزة في الجمع ، لكن لا قلب فيه على هذا القول . [ ص: 485 ]

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو عبيدة : أصله ملأك أيضا ، لكن من لأك إذا أرسل ، وقال أبو عمرو بن الحاجب - رحمه الله تعالى- الوجه هو القول الأول إذ ليس فيه إلا ارتكاب القلب ، ولا بد فيه من إرادة الهمزة في مفرده لورودها في جمعه ، قال ابن كيسان : فعال بعيد ، لأن مثل ذلك نادر ، ويفعل كثيرا وحمله على الكثير أولى من حمله على النادر ، لا سيما مع مناسبته للرسالة بخلاف الملك .

                                                                                                                                                                                                                              وأما قول أبي عبيد الله : إنه مفعل من لأك إذا أرسل فبعيد ، لأنه يكون مرسلا لا مرشدا ، وإذا كان من الألوكة كان مرسلا فترجح الأول .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية