الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الرابع في سيرته -صلى الله عليه وسلم- في التطبب

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في أمره بدعاء الطبيب :

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد عن رجل من الأنصار -رضي الله تعالى عنه- قال : عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا من جرح ، فقال : «ادعوا له طبيب بني فلان ، قال : فدعوه فجاء فقال : يا رسول الله ، أويغني الدواء شيئا ؟ فقال : سبحان الله ، وهل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له شفاء» .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في تضمينه -صلى الله عليه وسلم- الطبيب إذا جنى :

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو نعيم في الطب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «من تطبب ولم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن» .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في كراهيته أن يسمى طبيبا :

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو نعيم في الطب عن أبي رمثة قال : دخلت مع أبي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى أبي الذي بظهره ، فقال : دعني أعالج الذي بظهرك فإني طبيب فقال : أنت رفيق والله الطبيب .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في استعمال الفراسة والاستدلال في صناعة الطب :

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو نعيم في الطب عن أبي سعيد وأبي أمامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى فيه عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «أن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى فيه عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : إذا رأيتم الرجل اصفر من غير مرض ولا عبادة فذلك من غش الإسلام في قلبه .

                                                                                                                                                                                                                              قال شيخ شيوخنا الحافظ السيوطي في المنهج السوي : قاعدة : تشريع النبي -صلى الله عليه وسلم- [ ص: 126 ] لأصحابه يدخل فيه كل الأمة إلا أن يخصه دليل ، وتطبيبه -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه . وأهل أرضه خاص بطبائعهم ، إلا أن يدل دليل على التعميم .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة :

                                                                                                                                                                                                                              الأولى : طب النبي -صلى الله عليه وسلم- طب التجارب ، وأكثر ما وضعه -صلى الله عليه وسلم- إنما هو على مذهب العرب إلا ما خصه الله تعالى به من العلم النبوي من طريق الوحي ، فإن ذلك يخرق كل ما تدركه الأطباء ، وتعرفه الحكماء ، وكل ما فعله أو قاله في أعلى درجات الصواب ، عصمه الله تعالى فلا يقول إلا صدقا أو حقا ، وقال ابن القيم : كان علاجه -صلى الله عليه وسلم- للمريض ثلاثة أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              أحدها : بالأدوية الطبيعية .

                                                                                                                                                                                                                              والثاني : بالأدوية الإلهية .

                                                                                                                                                                                                                              والثالث : المركب من الأمرين .

                                                                                                                                                                                                                              الثانية :

                                                                                                                                                                                                                              أخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : [«إن الله تعالى جعل لابن آدم الملوحة في العينين لأنهما شحمتان ، ولولا ذلك لذابتا ، وجعل المرارة في الأذنين حجابا من الدواب فإن دخلت الرأس دابة والتمست الوصول إلى الدماغ ، فإذا ذاقت المرارة التمست الخروج ، وجعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح ، ولولا ذلك لأنتن الدماغ ، وجعل العذوبة في الشفتين يجد بهما استطعام كل شيء ، ويسمع الناس بها حلاوة منطقه» وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير وأبو الشيخ في العظمة .

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة :

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن السني عن عبد الله بن بسر المازني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال] : «لا تنتفوا الشعر الذي في الأنف ، فإنه يورث الأكلة ، ولكن قصوه قصا» . [ ص: 127 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية