الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السادس في شفاعته العظمى لفصل القضاء والإراحة من طول الوقوف

                                                                                                                                                                                                                              وهي التي يرغب إليه فيها الخلق كلهم حتى الأنبياء- صلى الله عليهم وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه- في حديث قال فيه : « أخرت الثالثة إلى يوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم » .

                                                                                                                                                                                                                              ورد مطولا من حديث أنس ، رواه أحمد والشيخان ، والإمام أحمد من طريق آخر ، والترمذي والبيهقي مختصرا ، وعن أبي بكر الصديق . رواه الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى وأبو عوانة ، وابن حبان في صحيحيهما وأبي هريرة رواه الشيخان ، وابن عباس رواه أحمد وأبو يعلى ، وعقبة بن عامر رواه ابن المبارك وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني ، وأبي سعيد الخدري رواه الترمذي وحسنه وابن خزيمة ، وسلمان رواه ابن خزيمة والطبراني بسند صحيح ، ومختصرا من رواية ابن عمر رواه البخاري من طريقين ، وحذيفة رواه مسلم والحاكم والبزار والبيهقي من طريق آخر ، وأبي بن كعب رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححه على شرط مسلم من طريق آخر ، وأبو يعلى من طريق آخر ، وعبادة بن الصامت . رواه الحاكم وصححه وكعب بن مالك . رواه مسلم والطبراني ، وجابر بن عبد الله رواه البيهقي ، وعبد الله بن سلام رواه البيهقي ، وفي حديث كل من الفوائد ما ليس في الآخر ، فأدخلت بعضها في بعض وسيرت زيادة بعضهم على بعض أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : « أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذاك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ، وتعطى الشمس حر عشر سنين ، ثم تدنو من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة » .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث ابن عمر عند الشيخين : « يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه » .

                                                                                                                                                                                                                              وعندهما من حديث أبي هريرة « يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم العرق حتى يبلغ آذانهم » .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أنس عند البزار والحاكم : « إن العرق ليلزم المرء في الموقف حتى يقول : يا رب إرسالك بي إلى النار أهون علي مما أجد ، وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب » .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أبي هريرة عند البيهقي « يحشر الناس حفاة عراة مشاة غرلا قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم نحو السماء فيلجمهم العرق من شدة الكرب » . [ ص: 460 ]

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث المقداد عند مسلم «تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم مقدار ميل» .

                                                                                                                                                                                                                              قال سليم بن عامر : فو الله ما أدري ما يعني بالميل ، أمسافة الأرض ؟ أو الميل الذي تكتحل به العين ؟ فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم من يكون إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ، وأشار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «بيده إلى فيه ، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ، فيقول بعضهم لبعض : ألا ترون إلى ما قد بلغكم ، أتنظرون من يشفع لنا ، فيقول بعض الناس لبعض :

                                                                                                                                                                                                                              انطلقوا إلى أبيكم آدم ، فيأتون آدم فيقولون : يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك ، وعلمك أسماء كل شيء؛ فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ! ألا ترى ما قد بلغنا ؟ ! فيقول : لست هناكم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته ، فخرجت بخطيئتي من الجنة
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : « وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم أن يغفر لي اليوم ؟ ! حسبي ، نفسي نفسي .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : « أنه لا يهمني اليوم إلا نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى أبيكم بعد أبيكم ، ائتوا نوحا عبدا شكورا ، أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، فيأتون نوحا ، فيقولون : يا نوح ، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وسماك الله عبدا شكورا ، واصطفاك واستجاب لك في دعائك ، ولم يدع على الأرض من الكافرين ديارا ، فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ؟ ! ألا ترى ما قد بلغنا ؟ ! فيقول نوح : لست هناكم ، إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإنه كانت لي دعوة دعوتها على قومي وسألت ما ليس لي به علم ، وإن يغفر لي اليوم ، حسبي نفسي نفسي » .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : « أنه لا يهمني اليوم إلا نفسي ، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم الذي اتخذه الله خليلا فيأتون إبراهيم فيقولون : يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض قم فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ ! فيقول : لست هناكم إنما كنت خليلا من وراء وراء ، وإن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإني كذبت في الإسلام ثلاث كذبات ، والله ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله ، وأن يغفر لي اليوم حسبي ، نفسي نفسي . [ ص: 461 ]

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : « إنه لا يهمني اليوم إلا نفسي ، اذهبوا إلى موسى الذي اصطفاه الله برسالته وبكلامه وقربه نجيا ، فيأتون موسى ، فيقولون : يا موسى أنت الذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه ، فاشفع لنا إلى ربك ليريحنا ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ! ألا ترى ما قد بلغنا ؟ ! فيقول : لست هناكم ، إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها ، وإن يغفر لي اليوم حسبي ، نفسي نفسي .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : « أنه لا يهمني اليوم إلا نفسي ، اذهبوا إلى عيسى ، روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم فيأتون عيسى فيقولون : يا عيسى ، أنت روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم ، وكلمت الناس في المهد فاشفع لنا إلى ربك ليريحنا ، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول لست هناكم ، إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإني اتخذت من دون الله أن يغفر لي اليوم ، حسبي نفسي نفسي .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية أنه لا يهمني اليوم إلا نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، فيقولون إلى من تأمرنا فقال :

                                                                                                                                                                                                                              إن كل متاع في وعاء مختوم عليه ، أكان يقدر على ما في جوفه حتى يفض الخاتم فيقولون :

                                                                                                                                                                                                                              لا ، فيقول : إن محمدا خاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين ، وأول من تنشق عنه الأرض ، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر ، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «فإني لقائم أنتظر عند الصراط إذ جاء عيسى فيقول : يا محمد هذه الأنبياء قد جاءتك يسألون لتدعوا الله أن يفوق بين الأمم إلى حيث يشاء لغم ما هم فيه
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية فيقولون : يا نبي الله ، أنت الذي فتح الله بك وختم ، وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، وجئت في هذا اليوم آمنا ، وترى ما نحن فيه؛ فاشفع لنا إلى ربك ، فأقول : أنا صاحبكم ، أنا لها (أنا لها ) فأقوم فيثور من مجلسي من أطيب ريح ما شمها أحد قط فيجلس الناس ، فأنطلق حتى آخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها ، فيقال : من هذا ؟ فأقول : محمد ، فيقول الخازن : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك ، فيفتحون لي ويقولون مرحبا ، فآتي جبريل ، فيأتي جبريل ربه فيقول : ائذن له وبشره بالجنة ، فآتي تحت العرش ، فيتجلى الله لي ولا يتجلى لشيء قبلي ، فإذا رأيت ربي خررت ساجدا قدر جمعة شكرا له ، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقول : ارفع رأسك ، وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع وادع تجب ، فأرفع رأسي ، فأحمد ربي بمحامد يعلمنيها لا أقدر عليها الآية ، لم يحمده بها أحد قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي ، وأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك فأقضي بينهم ، فيقول : شفعتك فيهم أنا آتيكم فأقضي بينكم» .

                                                                                                                                                                                                                              هذا ما يتعلق بهذه الشفاعة من الأحاديث المتقدمة ، وبقية الأحاديث متعلقة بفضل القضاء ليست مما نحن فيه . [ ص: 462 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية