الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الخامس في بيعة العقبة الأولى

                                                                                                                                                                                                                              وكانت في رجب .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الزهري وابن عقبة وابن إسحاق : «فلما أراد الله سبحانه وتعالى إظهار دينه وإعزاز رسوله وإنجاز موعده له ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار ، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم . فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا . فقال لهم : «من أنتم»؟ قالوا : نفر من الخزرج . قال : «أمن موالي يهود؟» قالوا : نعم . قال : «أفلا تجلسون أكلمكم؟» قالوا : بلى ، من أنت؟ فانتسب لهم وأخبرهم خبره . فجلسوا معه ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وعرض عليهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن . وكان مما صنع الله لهم به من الإسلام أن يهود ، كانوا معهم في بلادهم ،

                                                                                                                                                                                                                              فكانوا أهل كتاب وعلم ، وكانوا [هم] أهل شرك وأصحاب أوثان ، وكانوا قد عزوهم ببلادهم ، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم : إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه ، نتبعه فنقتلكم قتل عاد وإرم .

                                                                                                                                                                                                                              فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله أيقنوا به واطمأنت قلوبهم إلى ما سمعوا منه وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من صفته ، فقال بعضهم لبعض : يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه [فأجابوه إلى ما دعاهم إليه] بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام . ثم قالوا : قد علمت الذي بيننا من الاختلاف وسفك الدماء ، ونحن حراص على ما أرسلك الله به ، مجتهدون لك بالنصيحة ، وإنا لنشير عليك برأينا ، فامكث على رسلك باسم الله حتى نرجع إلى قومنا ، فنذكر لهم شأنك ، وندعوهم إلى الله ورسوله ، فلعل الله يصلح ذات بينهم ويجمع لهم أمرهم ، فإنا اليوم متباغضون متباعدون ، ولكنا نواعدك الموسم من العام المقبل . فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانصرفوا راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا .


                                                                                                                                                                                                                              وهم فيما ذكر ابن إسحاق في رواية ستة نفر من الخزرج :

                                                                                                                                                                                                                              1- من بني النجار : أبو أمامة أسعد بن زرارة- بضم الزاي- ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار .

                                                                                                                                                                                                                              2- عوف بن الحارث بن رفاعة- بكسر الراء وبالفاء- ابن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار وهو ابن عفراء .

                                                                                                                                                                                                                              3- ومن بني زريق- بتقديم الزاي على الراء- ابن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن [ ص: 195 ]

                                                                                                                                                                                                                              مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج : رافع بن مالك بن العجلان . قال ابن الكلبي : وهو أول من أسلم من الأنصار .

                                                                                                                                                                                                                              4- ومن بني سلمة- بلام مكسورة- [ابن سعد بن علي بن أسد] : قطبة- بضم القاف وسكون الطاء المهملة وبالموحدة- ابن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب ابن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج بن حارثة .

                                                                                                                                                                                                                              5- ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة : عقبة- بضم العين المهملة وسكون القاف- ابن عامر بن نابي- بنون فألف فباء موحدة فمثناة تحتية- ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة .

                                                                                                                                                                                                                              6- ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة : جابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد وفي رواية جرير بن أبي حازم عن ابن إسحاق بدل عقبة بن عامر ، معاذ بن عفراء ، وعند موسى بن عقبة عن الزهري عن عروة أنهم ثمانية . وهم : معاذ بن عفراء ، وذكوان- بفتح الذال المعجمة وسكون الكاف- ابن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق ، وعبادة- بضم العين المهملة فباء موحدة- ابن الصامت بن قيس بن الأصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن الخزرج بن حارثة ، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة من بني غصينة ثم من بلى حليف لهم . وأبو الهيثم بن التيهان بن جشم بن الحارث ، وعويم- بضم العين المهملة وفتح الواو وسكون المثناة التحتية- ابن ساعدة من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بن حارثة .

                                                                                                                                                                                                                              بيان ما سبق «العقبة الأولى» : قال المحب الطبري : «الظاهر أنها العقبة التي تضاف إليها الجمرة إذ ليس أظهر منها وعن يسار الطريق لقاصد منى من مكة شعب قريب منها ، فيه مسجد مشهور عند أهل مكة أنه مسجد البيعة ، وهو على نشز من الأرض ، ويجوز أن يكون المراد من العقبة ذلك النشز ، وعلى الأول يكون قد نسب إليها لقربه منها» قال في النور : «وجزم غيره بأن البيعة التي وقعت عندها البيعة هي العقبة التي تضاف إليها الجمرة» . [ ص: 196 ]

                                                                                                                                                                                                                              «موالي يهود» : أي حلفاؤهم ، وهم سموا حلفاء لأنهم تحالفوا على التناصر والتعاضد .

                                                                                                                                                                                                                              «الرهط» : بسكون الهاء وتفتح دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة أو منها إلى أربعين .

                                                                                                                                                                                                                              «يهود» : لا ينصرف للعلمية والتأنيث .

                                                                                                                                                                                                                              «أظل زمانه» : بفتح الظاء المعجمة وتشديد اللام أي قرب ودنا .

                                                                                                                                                                                                                              «قتل عاد وإرم» : أي نستأصلكم .

                                                                                                                                                                                                                              «تعلموا» : بفتح اللام المشددة ومعناه اعلموا . [ ص: 197 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية