الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثالث : في بنائه صلى الله عليه وسلم حجر نسائه رضي الله عنهن

                                                                                                                                                                                                                              قال في "الروض" : "كانت بيوته صلى الله عليه وسلم تسعة : بعضها من جريد مطين بالطين وسقفها من جريد ، وبعضها من حجارة مرضومة بعضها فوق بعض ، وسقفها من جريد أيضا" . قال الحافظ الذهبي في "بلبل الروض" : "لم يبلغنا أنه صلى الله عليه وسلم بني له تسعة أبيات حتى بنى المسجد ، ولا أحسبه فعل ذلك ، إنما كان يريد بيتا واحدا لسودة أم المؤمنين رضي الله عنها . ولم يحتج إلى بيت آخر حتى بنى لعائشة رضي الله عنها في شوال سنة اثنتين ، وكان صلى الله عليه وسلم بناها في أوقات مختلفة" . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وتقدم في الباب الثاني أنه صلى الله عليه وسلم بنى لزوجيه : سودة وعائشة رضي الله عنهما ، على نعت بناء المسجد ، لأن عائشة كانت زوجه حينئذ ، وإن تأخر الدخول بها ، ثم بنى بقية الحجر عند الحاجة إليها .

                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن عمر الأسلمي : "كانت لحارثة بن النعمان رضي الله عنه منازل قرب المسجد وحوله ، وكلما أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلا نزل له حارثة عن منزل ، أي محل حجرة ، حتى صارت منازله كلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه" . "قال محمد بن عمر : "حدثنا عبد الله بن يزيد الهذلي قال : رأيت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين هدمها عمر بن عبد العزيز بأمر الوليد بن عبد الملك ، كانت بيوتا من اللبن ، ولها حجر من جريد مطرورة بالطين ، عددت تسعة أبيات بحجرها ، وهي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزل أسماء بنت حسن اليوم . قال : ورأيت بيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وحجرتها من اللبن ، فسألت ابن ابنها فقال :

                                                                                                                                                                                                                              لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم دومة الجندل بنت أم سلمة حجرتها بلبن . فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى اللبن ودخل عليها أول نسائه فقال : "ما هذا البناء" ؟ فقالت : "أردت يا رسول الله أن أكف أبصار الناس" . فقال : "يا أم سلمة إن شر ما ذهب فيه مال المسلم البنيان" .

                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن عمر : فحدثت بهذا الحديث معاذ بن محمد الأنصاري فقال : "سمعت عطاء الخراساني في مجلس فيه عمران بن أبي أنس يقول وهو فيما بين القبر الشريف والمنبر المنيف : أدركت حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم [من جريد ، على أبوابها المسوح من شعر أسود ، فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ ، يأمرنا بهدم حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم] ، فما رأيت يوما كان أكثر باكيا من ذلك اليوم . قال عطاء : "فسمعت سعيد بن المسيب يقول يومئذ : [ ص: 349 ] "والله لوددت أنهم تركوها على حالها ، ينشأ ناشئ من أهل المدينة ، ويقدم القادم من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، فيكون ذلك مما يزهد الناس في التفاخر والتكاثر" قال معاذ : "فلما فرغ عطاء الخراساني من حديثه قال عمران بن أبي أنس : كان فيها أربعة أبيات بلبن ، لها حجر من جريد ، وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها ، على أبوابها مسوح الشعر ، ذرعت الساتر فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع وعظم الذراع أو أدنى من العظم . فأما ما ذكر من البكاء يومئذ ، فلقد رأيتني في المسجد وفيه نفر من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وإنهم ليبكون حتى أخضلوا لحاهم من الدمع . وقال يومئذ أبو أمامة : "ليتها تركت فلم تهدم حتى يفصل الناس عن البناء ، ويروا ما رضي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ومفاتيح خزائن الدنيا بيده" وروى ابن سعد ، والبخاري في "الأدب" ، وابن أبي الدنيا ، والبيهقي في "الشعب" عن الحسن البصري قال : "كنت وأنا مراهق أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان فأتناول سقفها بيدي" وروى البخاري في "الأدب" ، وابن أبي الدنيا ، والبيهقي عن داود بن قيس قال : "رأيت الحجر من جريد النخل تغشى من خارج بمسوح من الشعر ، وأظن عرض البيت من باب الحجرة إلى باب البيت نحوا من ست أو سبع أذرع ، وأحزر البيت من الداخل عشر أذرع ، وأظن سمكه بين الثمان والسبع" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن الحسن المخزومي عن محمد بن هلال قال : "أدركت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، كانت من جريد مستورة بمسوح الشعر ، مستطيرة في القبلة وفي المشرق وفي الشام ، ليس في غربي المسجد منها شيء ، وكان باب عائشة يواجه الشام ، وكان بمصراع واحد من عرعر أو ساج" . وروى ابن منده عن بشر بن صحار العبدي قال : "كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأنال سقفها" . وروى ابن سعد عن عمرو بن دينار ، وعبيد الله بن أبي مرثد قالا :

                                                                                                                                                                                                                              "لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم على بيته من حائط ، فكان أول من بنى عليه جدارا عمر بن الخطاب رضي الله عنه" . قال عبيد الله : "كان جداره قصيرا ، ثم بناه عبد الله بن الزبير" .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية