الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الرابع عشر : اتفق عمر وأبو طلحة ، وابن مسعود ، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال له المسلمون : يا رسول الله كيف تخاطب أمواتا ؟ فقال : «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» والثلاثة الأول شاهدوا القصة ، وسمعوا هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم ، وعبد الله يحتمل أن يكون سمعه من أبيه ، أو من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولفظ ابن مسعود قال : «يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون» رواه الطبراني بإسناد صحيح ، وأنكرت ذلك عائشة رضي الله عنها لما بلغها ذلك عن ابن عمر ، وقالت : ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حقا ، واستدلت على ذلك بقوله تعالى : [ ص: 85 ] وما أنت بمسمع من في القبور [فاطر : 22] وهذا مصير منها إلى رد رواية ابن عمر المذكورة ، وقد خالفها الجمهور في ذلك ، وقبلوا حديث ابن عمر؛ لموافقة من رواه غيره عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وأما استدلالها عليه بالآية فقالوا : معناها لا تسمعهم سماعا ينفعهم ولا تسمعهم إلا أن يشاء الله .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الإسماعيلي : كان عند عائشة رضي الله عنها من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه ، ولكن لا سبيل إلى رد كلام الثقة إلا بنص يدل على نسخه ، أو تخصيصه أو استحالته ، فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن ؟ لأن قوله تعالى : إنك لا تسمع الموتى لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم : «إنهم الآن يسمعون» لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع ، فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وأما جوابه بأنه إنما قال : «إنهم ليعلمون» فإن كانت سمعت ذلك فلا ينافي رواية يسمعون ، بل يؤيدها . وقال البيهقي : العلم لا يمنع من السماع ، والجواب عن الآية : لا يسمعهم وهم موتى ، ولكن الله تعالى أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال السهيلي ما محصله : إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لقول الصحابة له : أتخاطب أقواما قد جيفوا فأجابهم ، وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين ، وذلك بآذان رؤوسهم على قول الأكثر ، أو بآذان قلوبهم ، واحتجاج عائشة رضي الله عنها بقوله تعالى : وما أنت بمسمع من في القبور وهذه الآية لقوله تعالى : أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي [الزخرف : 40] أي أن الله تعالى هو الذي يهدي ويوفق ويوصل الموعظة إلى آذان القلوب لا أنت ، وجعل الكفار أمواتا وصما على جهة التشبيه بالأموات وبالصم ، والله تعالى هو الذي يسمعهم على الحقيقة إذا شاء لا نبيه ولا أحد ، فإذا : لا تعلق بالآية من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                              أحدهما : أنها نزلت في دعاء الكفار إلى الإيمان .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنه إنما نفى عن نبيه أن يكون هو المسمع لهم ، وصدق الله تعالى فإنه لا يسمعهم إذا شاء إلا هو ، ويفعل ما يشاء ، وهو على كل شيء قدير .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية