الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الرابع والعشرون : في فضل من شهد بدرا من المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه ، وكان من أهل بدر ، قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : «من أفضل المسلمين ، أو كلمة نحوها» قال : وكذلك من شهد بدرا من الملائكة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد بسند على شرط مسلم ، عن جابر رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لن يدخل النار رجل شهد بدرا والحديبية» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن رافع بن خديج رضي الله عنه أن جبريل أو ملكا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما تعدون من شهد بدرا فيكم ؟ قال : خيارنا . قال : كذلك هم عندنا من الملائكة .

                                                                                                                                                                                                                              قال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في جامع المسانيد : هكذا وقع في مسند أحمد ، والظاهر أنه غلط من بعض الرواة ، وإنما هو حديث رافع بن رفاعة الزرقي وليس برافع بن خديج ، ويحتمل أن يكون ابن خديج سمعه أيضا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 89 ] وروى أبو داود وابن ماجه والطبراني بسند جيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اطلع الله تعالى على أهل بدر فقال : «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن حفصة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إني لأرجو ألا يدخل النار -إن شاء الله- أحد شهد بدرا والحديبية» قالت : قلت : أليس الله تعالى يقول : وإن منكم إلا واردها ؟ [مريم : 71] قالت : فسمعته يقول : ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [مريم : 72] .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم والترمذي ، عن جابر رضي الله عنه أن عبدا لحاطب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا إليه ، فقال : يا رسول الله ، ليدخلن حاطب النار ، فقال : «كذبت ، لا يدخلها؛ فإنه قد شهد بدرا والحديبية» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الصحيح عن علي رضي الله عنه في قصة كتاب حاطب : وأن عمر بن الخطاب قال : يا رسول الله ، دعني أضرب عنقه ، فقال صلى الله عليه وسلم : «أليس من أهل بدر ؟ ولعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» أو قال : «فقد وجبت لكم الجنة» وسيأتي الحديث في غزوة الفتح .

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني عن رافع بن خديج رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : «والذي نفسي بيده لو أن مولودا ولد في فقه أربعين سنة من أهل الدين يعمل بطاعة الله تعالى كلها ، ويجتنب معاصي الله تعالى كلها ، إلى أن يرد إلى أرذل العمر أو يرد إلى ألا يعلم بعد علم شيئا ، لم يبلغ أحدكم هذه الليلة» رجاله ثقات إلا جعفر بن مقلاص؛ فإنه غير معروف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : أصيب حارثة بن زيد ببدر ، فجاءت أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني ، فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب . وإن تكن الأخرى فترى ما أصنع ؟ فقال : «ويحك ، أو هبلت أوجنة واحدة هي ؟ ! إنها جنان كثيرة ، وإنه في جنة الفردوس» وجاء في رواية البخاري عن أنس أن حارثة كان في النظارة ، وفيه : إن ابنك أصاب الفردوس الأعلى .

                                                                                                                                                                                                                              وفي هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر؛ فإن هذا لم يكن في بحبحة القتال ولا في حومة الوغى ، بل كان من النظارة من بعيد ، وإنما أصابه سهم غرب وهو يشرب من الحوض ، ومع هذا أصاب بهذا الموقف جنة الفردوس التي هي [ ص: 90 ] أعلى الجنة ، وأوسط الجنة ، ومنها تفجر أنهار الجنة التي أمر الشارع صلى الله عليه وسلم أمته -إذا سألوا الله تعالى الجنة- أن يسألوه إياها ، فإذا كان هذا حال هذا فما ظنك بمن كان في نحر العدو ، وهم على ثلاثة أضعافهم عددا وعددا ؟ !!

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية