الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل [ في سبب نزول ملوك آل نصر الحيرة ]

وكان سبب نزولهم الحيرة رؤيا رآها نصر بن ربيعة اللخمي ، وكان ملكه بين التبابعة . فرأى رؤيا هالته ، فبعث في مملكته فلم يدع كاهنا ولا منجما إلا جمعه إليه ، ثم قال لهم: إني قد رأيت رؤيا هالتني ، فأخبروني بتأويلها ، فقالوا: اقصصها علينا ، فقال: إنه لا يعرف تأويلها إلا من يعرفها قبل أن أخبره بها ، قالوا: فإن كان الملك يريد ذلك فليبعث إلى سطيح ، وشق ، فإنه ليس أحد أعلم منهما . واسم سطيح: ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن . وشق بن صعب بن يشكر بن فهم .

فبعث إليهما ، فقدم سطيح قبل شق ، ولم يكن في زمانهما مثلهما من الكهان ، فقال له: يا سطيح ، إني قد رأيت رؤيا هالتني ، فإن أصبتها أصبت تأويلها . فقال: رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض تهمة ، فأكلت منها كل ذات جمجمة . فقال الملك: ما أخطأت منها شيئا يا سطيح ، فما عندك من تأويلها ؟ قال: أحلف بما بين الحرتين من حنش ، ليهبطن أرضكم الحبش ، فليملكن ما بين أبين إلى جرش . [ ص: 71 ]

قال له الملك: وأبيك يا سطيح ، إن هذا لغائظ موجع ، فمتى هو كائن ؟ في زماني أم بعده ؟ قال: لا بل بعده بحين ، الحين من ستين إلى سبعين . قال: فهل يدوم ذلك من ملكهم أو ينقطع ؟ قال: لا بل ينقطع لبضع وسبعين يمضين من السنين ، ثم يخرجون منها هاربين . قال: ومن يلي ذلك ؟ قال: إرم ذي يزن ، يخرج عليهم من عدن ، فلا يترك أحدا منهم باليمن . قال: أفيدوم ذلك من سلطانه أو ينقطع ؟ قال: لا بل ينقطع . قال: ومن يقطعه ؟ قال: نبي زكي ، يأتيه الوحي من العلي ، قال: وممن هذا النبي ؟ قال: رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر . قال: وهل [ للدهر ] يا سطيح من آخر ؟ قال: نعم ، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون ، ويسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون . قال: أحق ما تخبرنا يا سطيح ؟ فقال: نعم ، والشفق والغسق والفلق إذا اتسق ، إن ما أنبأتك به لحق .

فلما فرغ قدم شق فدعاه فقال: يا شق إني قد رأيت رؤيا فأخبرني بها ، قال: نعم ، رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة ، فأكلت منها كل ذات نسمة ، قال: صدقت ، فما عندك من تأويلها ؟ قال: أحلف بما بين الحرتين من إنسان لينزلن أرضكم السودان ، فليغلبن على كل طفلة البنان ، وليملكن ما بين أبين إلى نجران .

فقال له الملك: وأبيك يا شق ، إن هذا لغائظ موجع ، فمتى هو كائن ؟ أفي زماني أم بعده ؟ [ قال بعدكم ] بزمان ، ثم يستنقذكم منه عظيم ذو شأن ، ويذيقهم منه أشد الهوان ، قال: ومن هذا العظيم الشأن ؟ قال: غلام من بيت ذي يزن . قال: فهل يدوم ملكه [ ص: 72 ] أم ينقطع ؟ قال: بل ينقطع برسول يأتي بالحق وبالعدل ، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل . قال: وما يوم الفصل ؟ قال: يوم يجزى فيه الولاة ، ويجمع الناس للميقات .

فوقع في نفسه أن ما قالا كائن من أمر الحبشة ، فجهز بنيه وبني أهل بيته إلى العراق ، وكتب لهم إلى ملك من ملوك الفرس يقال له: سابور ، فأسكنهم الحيرة ، وما زالت الحيرة يسكنها الملوك .

التالي السابق


الخدمات العلمية