الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الحوادث التي كانت في سنة ثمان من مولده صلى الله عليه وسلم

منها: موت عبد المطلب:

روى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال: كان عبد المطلب يوصي برسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب . وذلك أن أبا طالب وعبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانا لأم [وأب] . [ ص: 281 ]

قال مؤلف الكتاب: قلت : وقد كان الزبير عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمهما أيضا ، لكن كفالة أبي طالب له لسبب فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: وصية عبد المطلب لأبي طالب .

والثاني: أنهما اقترعا فخرجت القرعة لأبي طالب .

والثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختاره .

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا ابن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال أخبرنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر بن واقد وقال: حدثني محمد بن عبد الله ، عن الزهري قال:

وحدثني عبد الله بن جعفر بن عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله قال:

وأخبرنا هشام بن الأعصم الأسلمي ، عن المنذر بن جهم قال:

وحدثنا معمر عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال:

وأخبرنا عبد الرحمن بن عبد العزيز ، عن أبي الحويرث قال:

وأخبرنا ابن أبي سبرة ، عن سلمان بن سحيم عن نافع بن جبير - دخل حديث بعضهم في بعض - قالوا: لما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياطته ، ولما نزل بعبد المطلب الوفاة قال لنسائه ابكينني ، وأنا أسمع فبكته كل واحدة منهن بشعر ، فلما تسمع قول أميمة وقد أمسك لسانه جعل يحرك رأسه - أي قد صدقت ، وقد كنت كذلك - وهو قولها:


أعيني جودا بدمع درر على طيب الخيم والمعتصر [ ص: 282 ]     على ماجد الجد واري الزناد
جميل المحيا عظيم الخطر     على شيبة الحمد ذي المكرمات
وذي المجد والعز والمفتخر     وذي الحلم والفضل في النائبات
كثير المكارم جم الفخر     له فضل مجد على قومه
مبين يلوح كضوء القمر     أتته المنايا فلم تشوه
بصرف الليالي وريب القدر

قال: ومات عبد المطلب وهو يومئذ ابن اثنتين وثمانين سنة .

ويقال: ابن مائة وعشر سنين .

وقيل: ابن مائة وعشرين سنة .

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتذكر موت عبد المطلب؟ قال: "نعم أنا يومئذ ابن ثمان سنين" . قالتأم أيمن : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يبكي خلف سرير عبد المطلب .

وقد أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا عاصم بن الحسن قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا عثمان بن محمد الدقاق قال: أخبرنا أبو الحسن بن البراء قال:

توفي عبد المطلب ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى عليه ثمانية وعشرون شهرا .

قال وهذا المحفوظ من القول .

قال مؤلف الكتاب : والقول الأول أصح .

وتوفي عبد المطلب في ملك هرمز بن أنوشروان ، وكان قد مات قبل ذلك أنوشروان وعلى الحيرة قابوس بن المنذر . [ ص: 283 ]

ومن الحوادث : كفالة أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم

أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال: أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال .

وأخبرنا معاذ بن محمد الأنصاري ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال .

وأخبرنا محمد بن صالح ، وعبد الله بن جعفر ، وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة - دخل حديث بعضهم في [حديث] بعض - قالوا :

لما توفي عبد المطلب قبض أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فكان يكون معه ، وكان أبو طالب لا مال له ، وكان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده ، وكان لا ينام إلا إلى جنبه ، ويخرج فيخرج معه ، وصب به أبو طالب صبابة لم يصب مثلها بشيء قط ، وقد كان يخصه بالطعام ، وإذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا ، وإذا أكل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعوا ، فكان إذا أراد أن يغذيهم قال: كما أنتم حتى يحضر ابني ، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهم ، فكانوا يفضلون من طعامهم ، وإذا لم يكن معهم لم يشبعوا ، فيقول أبو طالب: إنك لمبارك! وكان الصبيان يصبحون رمصا شعثا ، ويصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم دهينا كحيلا . [ ص: 284 ]

قال محمد بن سعد : وحدثنا عثمان بن عمر بن فارس قال: أخبرنا ابن عون ، عن عمرو بن سعيد قال:

كان أبو طالب تلقى له وسادة يقعد عليها ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام فقعد عليها ، فقال أبو طالب: وإله ربيعة ، إن ابن أخي ليحسن بنعيم .

قال محمد بن سعد : وأخبرنا إسحاق الأزرق قال: أخبرنا عبد الله بن عون ، عن عمرو بن سعيد : أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز ، ومعي ابن أخي - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - فأدركني العطش ، فشكوت إليه ، فقلت: يا ابن أخي قد أدركني العطش . وما قلت له [ذاك] وأنا أدري أن عنده شيئا إلا الجزع ، قال: فثنى وركه ، ثم نزل فقال: يا عم أعطشت؟ قال: قلت:

نعم: فأهوى بعقبه إلى الأرض ، فإذا بالماء فقال: اشرب يا عم فشربت
. قال محمد بن سعد : وأخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن حسين بن عبد الله بن العباس ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال:

حدثتني أم أيمن قالت: كان ببوانة صنم تحضره قريش وتعظمه ، وتنسك له النسائك ، ويحلقون رءوسهم عنده ، ويعكفون عنده يوما إلى الليل ، وذلك يوما في السنة ، فكان أبو طالب يحضره مع قومه ، وكان يكلم رسول الله أن يحضر ذلك العيد مع قومه ، فيأبى رسول الله ذلك ، حتى رأيت أبا طالب غضب [عليه ، ] ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب ، وجعلن يقلن: [إنا نخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا ، ]

[ ص: 285 ]

وجعلن يقلن: ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيدا ، ولا تكثر لهم جمعا . قالت:

فلم يزالوا به حتى ذهب عنهم ، فغاب ما شاء الله ، ثم رجع إلينا مرعوبا فقالت له عماته : ما دهاك؟ قال: إني أخشى أن يكون بي لمم . فقلن: ما كان الله ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك [فما الذي رأيت؟] قال: إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح بي: وراءك يا محمد ، لا تمسه! قالت فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبأ صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية