الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
266 - عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة:

وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو ، وقيل عبد الكعبة ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم عبد الرحمن ، ويكنى أبا محمد ، وأمه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث . ولد عبد الرحمن بعد الفيل بعشر سنين ، وكان طويلا ، حسن الوجه ، رقيق البشرة ، مشربا حمرة ، وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين .

أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، قال: أخبرنا الجوهري ، قال: أخبرنا ابن حيوية ، قال: أخبرنا ابن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا عفان بن مسلم ، قال: حدثنا حماد بن سلمة ، قال: أخبرنا ثابت وحميد ، عن أنس بن مالك: أن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة ، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري ، فقال له سعد: أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا فانظر شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان فانظر أيتهما أعجب إليك حتى أطلقها لك .

فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلوني على السوق ، فدلوه على السوق ، فاشترى وباع وربح ، فجاء بشيء من أقط وسمن ، ثم لبث ما شاء الله أن يلبث ، فجاء وعليه ردع من زعفران ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مهيم" ، فقال: يا رسول الله ، تزوجت امرأة ، قال: "فما أصدقتها؟ " قال: "وزن نواة من ذهب ، قال: "أولم ولو بشاة" قال عبد الرحمن: فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا رجوت أن أصيب تحته ذهبا أو فضة .


قال محمد بن سعد: وأخبرنا جرير بن عبد الحميد ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: [ ص: 34 ] أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة من الأنصار على ثلاثين ألفا .

قال علماء السير: شهد عبد الرحمن بدرا والمشاهد كلها ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دومة الجندل ، وعممه بيده .

وكان له من الولد عشرون ذكرا ، وثماني بنات ، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك فأم الناس ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق معه ركعة ، ثم قضى الثانية ، وقال: "ما قبض نبي قط حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته" .

وكان عبد الرحمن كثير الصدقة فباع أرضا له بأربعين ألف دينار ، فقسم ذلك في فقراء بني زهرة ، وفي ذوي الحاجة من الناس ، وفي أمهات المؤمنين ، فلما بعث إلى عائشة بنصيبها ، قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون" سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة .

قال محمد بن سعد: وحدثنا محمد بن كثير العبدي ، قال: حدثنا سليمان بن كثير ، عن الزهري ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، قال: أغمي على عبد الرحمن بن عوف ثم أفاق فقال: إنه أتاني ملكان أو رجلان فيهما فظاظة وغلظة ، فانطلقا بي ، ثم أتاني رجلان أو ملكان هما أرفق منهما وأرحم ، فقالا: أين تريدان به؟ قالا: نريد به العزيز الأمين ، قالا: خليا عنه فإنه ممن كتب له السعادة وهو في بطن أمه .

توفي عبد الرحمن في هذه السنة وهو ابن خمس وسبعين سنة . وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ، وترك ذهبا قطع بالفئوس حتى مجلت أيدي الرجال منه ، وترك أربع نسوة ، فأخرجت امرأة من ثمنها بثمانين ألفا ، وأوصى في السبيل بخمسين ألف دينار .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: [ ص: 35 ] أخبرنا الحسين بن الحسن العالي ، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن علي اليقطيني ، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخزومي ، قال: حدثنا سلمة بن حفص السعدي ، قال: حدثنا وكيع ، قال: حدثنا مسعر .

وأخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار ، [أخبرنا الجوهري ، أخبرنا ابن حيويه ، أخبرنا ابن معروف ، حدثنا أبو علي الحسين بن محمد بن الفهم] ، حدثنا محمد بن سعد ، قال: حدثنا وكيع ، قال: حدثنا شعبة ، كلاهما عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، قال: رأيت سعد بن مالك عند قائمتي سرير عبد الرحمن بن عوف وهو يقول: وا خلاه .

التالي السابق


الخدمات العلمية