الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وقال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم في العبد يرسله مولاه في حاجة فتحضره الصلاة قال : إذا علم أنه إذا قضى حاجة مولاه أصاب مسجدا يصلي فيه قضى حاجة مولاه ، فإن علم أنه لا يجد مسجدا يصلي فيه صلى ثم قضى حاجة مولاه .

وقال في رواية صالح : إن وجد مسجدا يصلي فيه قضى حاجة مواليه وإن صلى فلا بأس .

وذكر ابن عقيل أنه كما يجب الإغضاء عن زلات الوالدين يجب الإغضاء عن زلات القرون الثلاثة الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم { : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم } وإذا شبهناهم بالوالدين يجب توقيرهم واحترامهم كما في الوالدين .

وما ذكره في المستوعب من أن طاعة الإمام فرض في غير معصية .

[ ص: 439 ] ذكره القاضي عياض والآخرون بالإجماع . ولعل مراد أصحاب هذا القول ما يرجع إلى السياسة والتدبير . وقطع بعض أصحابنا بأنه تجب طاعته في الطاعة ، وتحرم في المعصية . وتسن في المسنون ، وتكره في المكروه ، ولا نزاع أنه يجب على العبد طاعة سيده فلو قلنا ليست صلاة الجمعة غير واجبة عليه لم تلزمه وإن أذن له السيد أو أجبره عليها ; لأن ما لا يجب بالشرع لا يملك السيد إجباره عليه على وجه التعبد كالنوافل ، ذكره ابن عقيل .

وذكر ابن عقيل وأبو المعالي ابن المنجا أن الإمام لو نذر الاستسقاء من الجدب انعقد نذره وليس له أن يلزم غيره بالخروج معه ; لأن نذره انعقد في حق نفسه دونهم . وحكى ابن حزم عن علي رضي الله عنه أنه كان يأمر الشهود إذا شهدوا على السارق أن يلوا قطع يده ، ثم قال : وليس هذا بواجب بل طاعة الإمام أو الأمير في هذا واجبة ; لأنه أمر بمشروع وقال أبو زكريا النواوي في قول مروان لعبد الرحمن بن الحارث : عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة فرددت عليه ما يقول . يعني من أصبح جنبا فلا صوم له . قال : أي أمرتك أمرا جازما عزيمة مجتمعة ، وأمر ولاة الأمور تجب طاعته في غير معصية وقال في قول عمار لما حدث بتيمم الجنب وقال له عمر : اتق الله يا عمار . قال : إن شئت لم أحدث .

معنى قول عمر تثبت فلعلك نسيت أو اشتبه عليك ، ومعنى قول عمار إن رأيت المصلحة في إمساكي عن التحديث به راجحة مصلحة تحديثي أمسكت فإن طاعتك واجبة علي في غير المعصية .

وأصل تبليغ هذه السنة والعلم قد حصل . ويحتمل أنه أراد إن شئت لم أحدث به تحديثا شائعا . انتهى كلامه . وعن ابن عمر مرفوعا { السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة } . وعن علي رضي الله عنه مرفوعا { إنما الطاعة في المعروف } مختصر متفق عليهما ، وإن أخذ القول الأول على ظاهره توجه أن تخرج مسألته بما لو أمر بالصيام لأجل الاستسقاء هل يجب على قولين ، وقد قال الشيخ تقي الدين رحمه الله [ ص: 440 ] إذا وجب العشر على فلاح أو غيره وأمر ولي الأمر بصرفه إلى من يستحق الزكاة وجبت طاعته في ذلك ولم يكن لأحد أن يمتنع من ذلك . انتهى كلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية