الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 97 ] فصل ( في ميل الطبع إلى المعصية ، والنية ، والعزم ، والإرادة لها وما يعفى عنه من ذلك ) .

قال في الرعاية وميل الطبع إلى المعصية بدون قصدها ليس إثما فظاهر هذا أنه لو قصد المعصية أثم ، وإن لم يصدر منه فعل ، ولا قول .

وقال الشيخ تقي الدين : حديث النفس يتجاوز الله عنه إلى أن يتكلم فهو إذا صار نية وعزما وقصدا ولم يتكلم فهو معفو عنه .

وقال في موضع آخر : الإرادة الجازمة للفعل مع القدرة التامة توجب وقوع المقدور فإذا كان في القلب حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ثابتا استلزم موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } . { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء } .

فهذا الالتزام أمر ضروري . ومن جهة ظن انتفاء اللازم غلط غالطون كما غلط آخرون في جواز وجود إرادة جازمة مع القدرة التامة بدون الفعل حتى تنازعوا هل يعاقب على الإرادة بلا عمل ؟ قال : وقد بسطنا ذلك وبينا أن الهمة التي لم يقرن بها فعل ما يقدر عليه الهام ليست إرادة جازمة وأن الإرادة الجازمة لا بد أن يوجد معها ما يقدر عليه العبد والعفو وقع عمن هم بسيئة ، ولم يعملها لا عمن أراد ، وفعل المقدور عليه وعجز عن قيام مراده كالذي أراد قتل صاحبه فقاتله حتى قتل أحدهما فإن هذا يعاقب ; لأنه أراد ، وفعل المقدور من المراد . هذا كلامه .

وفي عيون المسائل لابن شهاب العكبري العود الموجب للكفارة في الظهار هو العزم على الوطء . فإن قيل : العزم هو حديث النفس وذلك معفو [ ص: 98 ] عنه بقوله عليه السلام { ما حدثت به أنفسها } قيل : لا يوجب الكفارة بحديث النفس بانفراده وإنما يوجبها بالظهار بشرط العزم على الوطء انتهى كلامه .

وقال القاضي أبو يعلى الخلاف في الصبي الشهيد : نية المعصية واعتقادها معفو عنه ما لم يفعلها ، وجزم جماعة فيما إذا فكر الصائم فأنزل أنه يأثم على النية ويثاب عليها ، ولذلك مدح الله عز وجل الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض . وجاء النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن التفكر في ذات الله عز وجل ، والأمر بالتفكر في الآية ولو لم يكن مقدورا عليها لم يتعلق بها ذلك ، وأما هل يفطر بذلك إذا أنزل ؟ قال بعض أصحابنا أو أمذى الأشهر أنه لا يفطر وهو المروي عن أحمد رحمه الله تعالى وقول الجمهور منهم أبو حنيفة والشافعي عملا بالأصل ولا نص فيه ، ولا إجماع ، وهو دون المباشرة وتكرار النظر على ما لا يخفى فيمتنع القياس عليهما .

زاد صاحب المغني والمحرر ويخالف ذلك في التحريم إن تعلق بأجنبية ، زاد صاحب المغني أو الكراهة إن كان في زوجة ، كذا قالا ، ولا أظن من قال يفطر بذلك كأبي حفص البرمكي وابن عقيل وهو مذهب مالك يسلم ذلك .

وقد ذكر ابن عقيل وجزم به في الرعاية الكبرى أظنه أول كتاب النكاح أنه لو استحضر عند جماع زوجته صورة أجنبية محرمة أنه يأثم ويتوجه أن يكون مراد صاحب المغني والمحرر نية محرمة تعلقت بأجنبية عارية عن فعل مع أن فيه نظرا . وأما في المغني فاحتج أولا على عدم الفطر بقوله { عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به } فظاهره أنه لا يأثم لكن حمله على أنه أراد بالخبر العفو في عدم الفطر أولى لما فيه من الموافقة ، والصواب وقد لا يشكل عليه قوله : يخالفه في التحريم إن تعلق بأجنبية ; لأن صاحب المحرر قد وافقه في هذا مع أنه لم يحتج بهذا الخبر ، ولا منع التأثيم والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية