الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 177 ] فصل ( في التسمية في ابتداء الأكل والشرب والحمد بعدهما وآداب أخرى ) .

ويسمي في أولها وهي بركة الطعام يكفي القليل بها وبدونها لا يكفي كما دلت عليه الأحاديث الآتية في غير موضع وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال { : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقرب طعاما فلم أر طعاما كان أعظم بركة منه أول ما أكلنا ولا أقل بركة في أخره فقلنا كيف هذا يا رسول الله ؟ فقال : ; لأنا ذكرنا اسم الله حين أكلنا ، ثم قعد بعد من أكل ولم يسم فأكله معه الشيطان } رواه أحمد .

ويحمد الله إذا فرغ ويقول ما ورد ، ويسن مسح الصحفة ، والأكل عند حضور رب الطعام وإذنه وأكل ما تناثر ، وقيل يحمد الشارب كل مرة ; لأنه يحمده على هذه النعمة ، والتسمية تراد لعدم مشاركة الشيطان وقد حصل ذلك بالتسمية أولا وذكر السامري أن الشارب يسمي الله عند كل ابتداء ويحمده عند كل قطع ; لأنه ابتداء فعل كالأول ، وإن كان الأول آكد وإنما خص هؤلاء الشارب إما لقلته فلا يشق التكرار ، وإما ; لأن كل مرة مأمور بها واستحب فيها ما استحب في الأولى بخلاف الأكل فإنه يطول فيشق التكرار ، والقطع فيه أمر عادي والله أعلم .

وقد يقال مثله في أكل كل لقمة وهو ظاهر ما روي عن الإمام أحمد رحمه الله قال إسحاق بن إبراهيم تعشيت مرة أنا وأبو عبد الله وقرابة له فجعلنا لا نتكلم وهو يأكل ويقول الحمد لله وبسم الله ، ثم قال أكل وحمد خير من أكل وصمت ولم أجد عن أحمد خلاف هذه الرواية صريحا ولم أجدها في كلام أكثر الأصحاب ، ، والظاهر أن أحمد رحمه الله اتبع الأثر في ذلك فإن من طريقته وعادته تحري الاتباع .

وروى الخلال بإسناده عن أبي الدرداء أنه قال لبعض قوم أكلوا معه [ ص: 178 ] يا بني لا تدعوا أن تأدموا أول طعامكم بذكر الله أكل وحمد خير من أكل وصمت ، وكذا قال خالد بن معدان التابعي الثقة الفقيه الصالح أكل وحمد خير من أكل وصمت ، ووجه الأول ظاهر الأخبار فإنه اقتصر فيها على التسمية أولا ، والحمد آخرا ، ولو كان مستحبا لنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا ولو في حديث واحد ، بل ظاهر ما نقل من حاله أنه لم يفعله وهو عليه السلام الغاية في فعل الفضائل ، وكذلك المعروف ، والمشهور من حال الصحابة ، والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم .

وفي كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله قال من القراء من يفصل بالبسملة بين السورتين ، ومنهم من لا يفصل ; لأن القرآن كله كلام الله فلا يفصلون بها بين السورتين كمن سمى إذا أكل أنواعا من الطعام ، ومنهم من يسمي في أول كل سورة وهو حسن لمتابعته لخط المصحف وهو بمنزلة رفع الطعام ووضع طعام فالتسمية عنده أفضل انتهى كلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية