الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 228 ] فصل ( في استحباب دعاء المرء لمن يأكل طعامه ) .

عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم { أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة } .

وكلامه في الترغيب يقتضي أنه جعل هذا الكلام دعاء واستحب الدعاء به لكل من أكل طعامه وعلى قول الشيخ عبد القادر إنما يقال هذا إذا أفطر عنده فيكون خبرا قال الشيخ تقي الدين وهو الأظهر انتهى كلامه وكلام غير واحد يوافق ما في الترغيب .

وعن جابر قال { : صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فدعا النبي وأصحابه فلما فرغوا قال أثيبوا أخاكم قالوا يا رسول الله : وما إثابته قال إن الرجل إذا دخل بيته وأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك إثابته } . رواهما أبو داود : الأول بإسناد جيد والثاني من حديث سفيان عن يزيد الدالاني عن رجل عن جابر قال الآمدي وجماعة : يستحب إذا أكل عند الرجل طعاما أن يدعو له ، ويؤيد ذلك الخبر المشهور { من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له } .

فأما الدعاء للآكل والشارب فلم أجد الأصحاب ذكروه ، ولا ذكر له في الأخبار وهذا ظاهر في أنه لا يستحب . وقد سبق عند إجابة العاطس أن المتجشئ لا يجاب بشيء فإن حمد الله دعا له ، وقول ابن عقيل لا يعرف فيه سنة بل هو عادة موضوعة وهذا أيضا يوافق ما سبق في أنه لا يستحب ، لكن ذكرهم أن الحامد يدعى له مع قول ابن عقيل لا نعرف ، فيه سنة بل هو عادة موضوعة يدل على أنه يدعى للآكل والشارب بما يناسب الحال لكن إذا حمد الله ، ومقتضى الاعتماد على العادة أنه يقال للشارب مطلقا ، وعكسه الآكل ويتوجه فيه مثل الشارب ; لعدم الفرق فظهر أنه هل يدعى [ ص: 229 ] للآكل والشارب أم لا إن حمد الله أم للشارب ؟ فيه أقوال متوجهة كما يتوجه في المتجشئ مثلهما . ومن المعلوم أن تحري طريق النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف رضي الله عنهم هو الصواب .

والقول بالاستحباب مطلقا مقتضى ما ذكره ابن الجوزي في مسألة القيام فإنه ذكر أن ترك القيام كان في أول الأمر ثم لما صار ترك القيام كالإهوان بالشخص استحب لمن يصلح له القيام وهذا المعنى موجود هنا ، فأما إن أفضى ذلك إلى عداوة وغش وحقد أو وحشة وشنآن فيتوجه حينئذ الائتلاف وعمل ما يقتضيه بحسب الحال .

وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في قوله لغير يوم العيد تقبل الله منا ومنك ، فعنه لا بأس وهي أشهر كالجواب : واحتج بأبي أمامة قيل له ووائلة ؟ قال نعم .

وقال : لا أبتدي به ، وعنه يكره وعنه الكل حسن ، وعنه ما أحسنه إلا أن يخاف الشهرة ، فإذا كان هذا الخلاف مع الأثر فيه لكن لم يشتهر ذلك في الصحابة فما ظنك بمسألتنا عند أحمد رحمه الله ونظير ذلك الدعاء لمن خرج من حمام بما يناسب الحال .

ورد الجواب في كل ذلك مبني على حكم الابتداء وإنه أسهل كما نص عليه أحمد في رد الجواب للداعي يوم العيد والله أعلم . وهذا الخلاف يتوجه في التهنئة بالأمور الدنيوية ، وفي كتاب الهدي لبعض متأخري أصحابنا يجوز ، فأما التهنئة بنعم دينية تجددت فتستحب لقصة كعب بن مالك .

وفي الصحيحين أنه لما أنزل { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هنيئا مريئا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية