الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وروى القاضي المعافى بن زكريا بإسناده ورواه أيضا غيره والإسناد ضعيف عن عبد الله قال { صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم غيضته فقطع غصنين أحدهما أعوج ، والآخر مستقيم فدفع إلى صاحبه المستقيم ، وأمسك الأعوج فقال الرجل يا رسول الله أنت أحق بهذا فقال : كلا ، ما من صاحب يصحب صاحبا وهو مسئول عنه يوم القيامة ولو ساعة من نهار } .

ورووا أيضا عن سهل بن سعد مرفوعا { المرء كبير بأخيه ولا خير في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له } وقال الشاعر :

وإني لأستحيي أخي أن أرى له علي من الحق الذي لا يرى ليا

قيل معناه أن لا يرى أن لي عليه حقا حسب ما أرى له من وجوب حقه على هذا يوافق معنى خبر سهل المذكور وقيل : المعنى إني أستحيي أخي أن أرى له عندي من فضل سابق منه ما لا يرى لي عنده من فضل فيكون قد أثبت عندي حقا لم أثبت لنفسي عنده من الحق مثله .

قال القاضي المعافى وهذا أصح وخبر سهل جار على عكس هذا الطريق وإنما يصح حمله على هذا النحو لو كان قيل فيه ولا خير لمن صحبته في صحبتك إذا لم تر له من الحق مثل الذي يرى لك .

وذكر ابن عبد البر أن رسول [ ص: 577 ] الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا خير في صحبة من لا يرى لك كالذي يرى لنفسه } قال الشاعر :

وإني لأستحيي أخي أن أبره     قريبا وأن أجفوه وهو بعيد

وقال أبو عبد الله الخراساني من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ومن استخف بإخوانه قلت معونته ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه .

ونظيره قول معاوية رضي الله عنه نحن الزمان من رفعناه ارتفع ومن وضعناه اتضع وقال الأصمعي لم يقل أحد في التفرح بالمفاوضة إلى الإخوان والتشكي إلى أهل الحفظ والأقدار وذوي الرعاية والأخطار مثل قول بشار :

وأبثثت عمرا بعض ما في جوانحي     وجرعته من مر ما أتجرع
ولا بد من شكوى إلى ذي حفيظة     إذا جعلت أسرار نفس تطلع

وقال الحسن بن علي أبو محمد البربهاري من أصحابنا المتقدمين رحمه الله تعالى في كتابه شرح السنة : وإذا رأيت الرجل رديء الطريق والمذهب فاسقا فاجرا صاحب معاص ظالما وهو من أهل السنة فاصحبه واجلس معه فإنك لن تضرك معصيته وإذا رأيت عابدا مجتهدا متقشفا متحرفا بالعبادة صاحب هوى فلا تجلس معه ولا تسمع كلامه ولا تمش معه في طريق ، فإني لا آمن أن تستحلي طريقته فتهلك معه .

وقال أبو الفرج الشيرازي من أصحابنا رحمه الله في كتاب التبصرة له قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه وإذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فأرجه وإذا رأيته مع أصحاب البدع فايئس منه فإن الشاب على أول نشوئه انتهى كلامه .

وقال ابن الجوزي في كتابه السر المكتوم لما ذكر المعتزلة وغيرهم والفلاسفة قال الله الله من مصاحبة هؤلاء ، ويجب منع الصبيان من مخالطتهم [ ص: 578 ] لئلا يثبت في قلوبهم من ذلك شيء واشغلوهم بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعجن بها طبائعهم انتهى كلامه .

وقال الإمام أحمد في رسالته إلى مسدد : ولا تشاور صاحب بدعة في دينك ، ولا ترافقه في سفرك وكان القاضي أبو يعلى رحمه الله ينهى عن مخالطة أبناء الدنيا وعن النظر إليهم والاجتماع بهم ، ويأمر بالاشتغال بالعلم ومخالطة الصالحين . قال ابن عبد البر في بهجة المجالس : أنشد أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب ويقال إنها له :

إن صحبنا الملوك تاهوا وعقوا     واستخفوا كبرا بحق الجليس
أو صحبنا التجار صرنا إلى البؤس     وعدنا إلى عداد الفلوس
فلزمنا البيوت نستخرج العلم     ونملأ به بطون الطروس

وقال القاضي يروي عن شيخنا إبراهيم الحربي رحمه الله أنه استزاره المعتضد وقربه وأجازه فرد جائزته فقال له : اكتم مجلسنا ولا تخبر بما فعلنا وبما قابلتنا به فقال له الحربي لي إخوان لو علموا باجتماعي لهجروني .

وفي هذا المعنى وما يتعلق بهذا الفضل أشياء كثيرة وتقدم ما يتعلق به في غير موضع وهذه إشارة فيها كفاية إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية