الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الثامنة عشرة :

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى : { قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون }

                                                                                                                                                                                                              فيها ثلاث مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : استدل بعض علمائنا المخالفين على أن بيع الفضولي لا يصح بقوله : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } .

                                                                                                                                                                                                              وعارضهم علماؤنا بأن المراد بالآية تحمل الثواب والعقاب دون أحكام الدنيا .

                                                                                                                                                                                                              ويحتمل أن يكون المراد بذلك كسب الإلزام والالتزام ، لا كسب المعونة والاستخدام ; فقد يتعاون المسلمون ويتعاملون بحكم العادة والمروءة والمشاركة ; هذا رسول الله قد باع له واشترى عروة البارقي في دينار وتصرف بغير أمره ، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وأمضاه ; نصه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى عروة البارقي دينارا ، وأمره أن يشتري له شاة من الجلب فاشترى له به شاتين ، وباع إحداهما بدينار ، وجاء بالدينار وبالشاة [ ص: 300 ] فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة ; فكان لا يتجر في سوق إلا ربح فيها حتى لو اتجر في التراب لربح فيه } .

                                                                                                                                                                                                              قال : ولقد كنت أخرج إلى الكناسة بالكوفة فلا أرجع إلا وقد ربحت ربحا عظيما .

                                                                                                                                                                                                              وقد مهدنا الكلام عليه في صريح الحديث وتلخيص الطريقتين ، فانظروه تجدوه إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : قوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى }

                                                                                                                                                                                                              للوزر معنيان :

                                                                                                                                                                                                              أحدهما : الثقل ; وهو المراد هاهنا ، يقال وزره يزره إذا حمل ثقله ، ومنه قوله تعالى : { ووضعنا عنك وزرك } . والمراد به هاهنا الذنب ; قال تعالى : { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم } يعني ذنوبهم { ألا ساء ما يزرون } أي : بئس الشيء شيئا يحملون .

                                                                                                                                                                                                              والمعنى لا تحمل نفس مذنبة عقوبة الأخرى ; وإنما تؤخذ كل نفس منهم بجريرتها التي اكتسبتها ، كما قال تعالى : { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } .

                                                                                                                                                                                                              وقد وفد أبو رمثة رفاعة بن يثربي التميمي مع ابنه على النبي صلى الله عليه وسلم قال : فقال : أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه .

                                                                                                                                                                                                              وهذا إنما بينه لهم ردا على اعتقادهم في الجاهلية من مؤاخذة الرجل بابنه وبأبيه وبجريرة حليفه .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة :

                                                                                                                                                                                                              وهذا حكم من الله تعالى نافذ في الدنيا والآخرة ; وهو ألا يؤخذ أحد بجرم أحد ، بيد أنه يتعلق ببعض الناس من بعض أحكام في مصالح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتعاون على البر والتقوى ، وحماية النفس والأهل عن العذاب ، كما قال تعالى : [ ص: 301 ] { قوا أنفسكم وأهليكم نارا } .

                                                                                                                                                                                                              والأصل في ذلك كله أن المرء كما يفترض عليه أن يصلح نفسه باكتساب الخير فواجب عليه أن يصلح غيره بالأمر به والدعاء إليه والحمل عليه ، وهذه فائدة الصحبة ، وثمرة المعاشرة ، وبركة المخالطة ، وحسن المجاورة ; فإن [ حسن في ذلك كله كان معافى في الدنيا والآخرة ، وإن ] قصر في ذلك كله كان معاقبا في الدنيا والآخرة ، فعليه أولا إصلاح أهله وولده ، ثم إصلاح خليطه وجاره ، ثم سائر الناس بعده ، بما بيناه من أمرهم ودعائهم وحملهم ; فإن فعلوا ، وإلا استعان بالخليفة لله في الأرض عليهم ، فهو يحملهم على ذلك قسرا ، ومتى أغفل الخلق هذا فسدت المصالح ، وتشتت الأمر ، واتسع الخرق ، وفات الترقيع ، وانتشر التدمير ; ولذلك يروون أن عمر بن الخطاب كفل المتهمين عشائرهم ، وذلك بالتزامهم كفهم أو رفعهم إليه حتى ينظر فيهم ، والله يتولى التوفيق برحمته .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية