الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              فأما : المسألة الثامنة : وهي سلب القتيل : فإنه من الخمس عندنا ، وبه قال أبو حنيفة إذا رأى ذلك الإمام لغناء في المعطى : أو منفعة تجلب ، أو ائتلاف يرغب .

                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : هو من رأس المال ; وظاهر القرآن يمنع من ذلك ; لأنه حق المالكين . [ ص: 380 ]

                                                                                                                                                                                                              فأما الأخبار في ذلك فمتعارضة ، روي في الصحيح أن { النبي صلى الله عليه وسلم قضى بسلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو بن الجموح } . وقال يوم حنين : { من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ، فأعطى السلب لأبي قتادة بما أقام من الشهادة ، وقضى بالسلب أجمع لسلمة بن الأكوع يوم ذي قرد } .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : هذه الأخبار ليس فيها أكثر من إعطاء السلب للقاتل . وهل إعطاء ذلك له من رأس مال الغنيمة أو من حق النبي وهو الخمس ؟ ذلك إنما يؤخذ من دليل آخر .

                                                                                                                                                                                                              وقد قسم الله الغنيمة قسمة حق على الأخماس ، فجعل خمسها لرسوله ، وأربعة أخماسها لسائر المسلمين ، وهم الذين قاتلوا وقتلوا ، فهم فيها شرع سواء ، لاشتراكهم في السبب الذي استحقوها به ; والاشتراك في السبب يوجب الاشتراك في المسبب ، ويمنع من التفاضل في المسبب مع الاستواء في السبب ; هذه حكمة الشرع وحكمه ، وقضاء الله في خلقه ، وعلمه الذي أنزله عليهم .

                                                                                                                                                                                                              والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه ما روى مسلم { أن عوف بن مالك قال : قتل رجل من حمير رجلا من العدو ، فأراد سلبه ، فمنعه خالد ، وكان واليا عليهم ; فأخبر عوف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لخالد : ما منعك أن تعطيه سلبه ؟ قال : استكثرته يا رسول الله . قال : ادفعه إليه . فلقي عوف خالدا فجره بردائه ، وقال : هل أنجزت ما ذكرت لك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب ، فقال : لا [ ص: 381 ] تعطه يا خالد . هل أنتم تاركو لي إمرتي } . ولو كان السلب حقا له من رأس الغنيمة لما رده رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنها عقوبة في الأموال ، وذلك أمر لا يجوز بحال .

                                                                                                                                                                                                              وقد ثبت أن ابن المسيب قال : ما كان الناس ينفلون إلا من الخمس .

                                                                                                                                                                                                              وروي عنه أنه قال : لا نفل بعد رسول الله . ولم يصح .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية