الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : إذا عرفتم أن الغنيمة هي ما أخذ من أموال الكفار ; فإن الله قد حكم فيها بحكمه ، وأنفذ فيها سابق علمه ، فجعل خمسها للخمسة الأسماء ، وأبقى سائرها لمن غنمها ; ونحن نسميها ، ثم نعطف على الواجب فيها فنقول : أما سهم الله ففيه قولان : أحدهما : أنه وسهم الرسول واحد ، وقوله : { لله } استفتاح كلام ، فلله الدنيا والآخرة والخلق أجمع .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : روي عن أبي العالية الرياحي قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة ، يكون أربع أخماسها لمن شهدها ، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة ، وهو سهم الله ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم } .

                                                                                                                                                                                                              وأما سهم الرسول فقيل : هو استفتاح كلام ، مثل قوله : لله ، ليس لله منه شيء ولا للرسول ، ويقسم الخمس على أربعة أسهم : سهم لبني هاشم ، ولبني المطلب سهم ، ولليتامى سهم ، والمساكين سهم [ ولابن السبيل سهم ] ; قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                              وقيل : هو للرسول ، ففي كيفية كونه له أربعة أقوال : فقيل : لقرابته إرثا ، وقيل : للخليفة بعده ، وقيل : هو يلحق بالأسهم الأربع ، وقيل : هو مصروف في الكراع والسلاح ، وقيل : إنه مصروف في مصالح المسلمين العامة ; قاله الشافعي . [ ص: 402 ]

                                                                                                                                                                                                              وأما سهم ذوي القربى فقيل : هم قريش ، وقيل : بنو هاشم [ وقيل بنو هاشم ] وبنو المطلب ; وهو قول الشافعي .

                                                                                                                                                                                                              وقيل : ذهب ذلك بموت النبي صلى الله عليه وسلم ويكون لقرابة الإمام بعده .

                                                                                                                                                                                                              وقيل : هو للإمام يضعه حيث يشاء .

                                                                                                                                                                                                              وأما سهم اليتامى فإن اليتيم من فيه ثلاثة أوصاف : موت الأب ، وعدم البلوغ ، ووجود الإسلام أصلا فيه أو تبعا لأحد أبويه ، وحاجته إلى الرفد .

                                                                                                                                                                                                              وأما المسكين فهو المحتاج .

                                                                                                                                                                                                              وأما ابن السبيل فهو الذي يأخذه الطريق محتاجا ، وإن كان غنيا في بلده .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : في التنقيح : أما قول أبي العالية فليس من النظر في المرتبة العالية ; فإن الأرض كلها لله ملكا وخلقا ، وهي لعباده رزقا وقسما .

                                                                                                                                                                                                              وأما الرسول فهو ممن أنعم عليه وملكه .

                                                                                                                                                                                                              ولكنه ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال : { ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس ، والخمس مردود فيكم } .

                                                                                                                                                                                                              وهذا يعضد قول من قال : إنه يرجع في مصالح العامة .

                                                                                                                                                                                                              وأما قول من قال : إنه يرجع لقرابته إرثا فإنه باطل بإجماع من الصحابة ، فإن فاطمة رضي الله عنها أرسلت تطلب ميراثها من أبي بكر ، فقال لها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { نحن لا نورث ، ما تركناه صدقة } .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 403 ] وقد بينا ذلك في مسائل الأصول ، وسائر الأقوال دعاوى لا برهان عليها .

                                                                                                                                                                                                              أما سهم ذوي القربى فأصحها أنهم بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وسائر الأقسام صحيحة في الأقوال والتوجيه .

                                                                                                                                                                                                              وقد روي عن ابن القاسم ، وأشهب ، وعبد الملك عن مالك أن الفيء والخمس يجعلان في بيت المال ، ويعطي الإمام قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما .

                                                                                                                                                                                                              وروى ابن القاسم عن مالك : أن الفيء والخمس واحد .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية