الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة :

                                                                                                                                                                                                              قال المغيرة بن شعبة : إنه كان يأمر بالصلاة على السقط ، ويقول : سموهم واغسلوهم ، وكفنوهم وحنطوهم ، فإن الله أكرم بالإسلام صغيركم وكبيركم ، ويتلو هذه الآية : { إنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة } ، لم يستتم سائر خلقها ، فإن الله يبعثها يوم القيامة خلقا تاما .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة :

                                                                                                                                                                                                              إذا رجعنا إلى أصل الاشتقاق فإن النطفة والعلقة والمضغة مخلقة ; لأن الكل خلق الله ، وإذا رجعنا إلىالتصوير الذي هو منتهى الخلقة كما قال : ثم أنشأناه خلقا آخر فذلك ما قال ابن زيد : إنها التي صورت برأس ويدين ورجلين ، وبينها حالات .

                                                                                                                                                                                                              فأما النطفة فليست بشيء يقينا ، وأما إن تلونت فقد تخلقت في رحم الأم بالتلوين ، وتخلقت بعد ذلك بالتخثير ; فإنه إنشاء بعد إنشاء .

                                                                                                                                                                                                              ويزعم قوم أن مع التخثير يظهر التخطيط ومثال التصوير ، فلذلك شك مالك فيه ، وقال : ومن رأيي من يعرف أنه سقط فهو الذي تكون به أم ولد . وقد استوفيناه في سورة الرعد ، وشرح الحديث في كتاب الحيض فلينظر هنالك .

                                                                                                                                                                                                              وعلى هذا يحمل ما جاء من الأخبار والآثار على المخلق وغير المخلق ، وعلى التام والناقص . ولعل المغيرة بن شعبة أراد السقط ما تبين خلقه فهو الذي يسمى ، وما لم يتبين خلقه فلا وجود له ، والاسم فيه دون موجود يسمى وبماذا تكون الولد ، وقد بيناه هنالك كما أشرنا إليه ، والله ينفعنا بعزته .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة :

                                                                                                                                                                                                              إذا ثبت هذا فإن عدة المرأة تنقضي بالسقط الموضوع ، ذكره إسماعيل القاضي ، واحتج عليه بأنه حمل ، وقد قال الله : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن [ ص: 274 ] حملهن } ، وكذلك قال : لا تكون به أم ولد ، ولا يرتبط شيء من الأحكام به ، إلا أن يكون مخلقا لقوله تعالى : { فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة } ، فيطلق عليه أنه خلق ، كما أنه حمل .

                                                                                                                                                                                                              واعترض عليه بعض الشافعية بأن الولد ليس بمضغة ، وإنما ذكره الله سبحانه وتعالى تنبيها على القدرة .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : فأين المقدور الذي تعلقت به القدرة ؟ هل هو تصريف الولد بين الأحوال ، ونقله من صفة إلى صفة ؟ فذكر أن أصله النطفة ، ثم تتداوله الصفات ، فيكون خلقا وحملا . قال المعترض : والمراد بقوله : { وأولات الأحمال أجلهن } ما يسمى ولدا .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : بل المراد به ما يسمى حملا وخلقا لشغل الرحم ; فإذا سقط برئت الرحم من شغلها .

                                                                                                                                                                                                              قال القاضي إسماعيل : والدليل على صحة ذلك أنه يرث أباه ، فدل على وجوده خلقا ، وكونه ولدا وحملا .

                                                                                                                                                                                                              قال المعترض : لا حجة في الميراث ; لأنه جاء مستندا إلى حال كونه نطفة .

                                                                                                                                                                                                              قلنا لو لم يكن خلقا موجودا ، ولا ولدا محسوبا ما أسند ميراثه إلى حال ولا قضي له به .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية