الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثامنة : قوله تعالى : { فكلوا منها } ولا يخلو أن يكون الهدي تطوعا أو واجبا ، فأما هدي التطوع فيأكل منه ، وأما الهدي الواجب فللعلماء فيه أقوال ، أصولها ثلاثة : الأول : لا يأكل منه بحال ; قاله الشافعي .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنه يأكل من هدي التمتع والقران ، ولا يأكل من الواجب بحكم الإحرام قال أبو حنيفة .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : أنه يأكل من الواجب كله إلا من ثلاث : جزاء الصيد ، وفدية الأذى ، ونذر المساكين .

                                                                                                                                                                                                              وتعلق الشافعي بأنه وجب عليه إخراجه من ماله ، فكيف يأكل منه ؟

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 294 ] وتعلق أبو حنيفة بأن ما وجب بسبب محظور التحق بجزاء الصيد .

                                                                                                                                                                                                              وتعلق مالك بأن جزاء الصيد جعله الله للمساكين بقوله : { أو كفارة طعام مساكين } ، وحكم البدل حكم المبدل ، وقال في فدية الأذى : { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } .

                                                                                                                                                                                                              { وقال النبي صلى الله عليه وسلم في فدية الأذى : وأطعم ستة مساكين مدين لكل مسكين } ، ونذر المساكين مصرح به ، وأما غير ذلك من الهدايا فهو على أصل قوله تعالى : { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } .

                                                                                                                                                                                                              وهذا نص في إباحة الأكل ، وقد ثبت في الصحيح { أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بدنه ، وأمر من كل بدنة ببضعة ، فطبخها وأكل منها ، وشرب من مرقها ، وكان من هديه واجبا ، وهو دم القران الذي كان عليه في حجه } . وإنما أذن الله تعالى في الأكل لأجل أن العرب كانت لا ترى أن تأكل من نسكها ، فأمر الله نبيه بمخالفتهم ، فلا جرم كذلك شرع وبلغ ، وكذلك فعل حين أهدى وأحرم .

                                                                                                                                                                                                              وما تعلق به أبو حنيفة غير صحيح . فليست العلة ما ذكر من الحظر ، وإنما هو دعوى لا برهان عليها .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية