الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الرابعة قوله تعالى : { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب } .

                                                                                                                                                                                                              فيها وفي الآية التي تليها أربع عشرة مسألة : المسألة الأولى كنى بالنعجة عن المرأة ، لما هي عليه من السكون والمعجزة وضعف الجانب . وقد يكنى عنها بالبقرة والحجر والناقة ; لأن الكل مركوب .

                                                                                                                                                                                                              أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الجبار الهذلي عن أبي الحسن علي بن أبي طالب قال : إنه يكنى عن المرأة بألف مثل في المقام يعبر به الملك عن المعنى الذي يريده ، وقد قيدناها كلها عنه في سفر واحد .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية { تسع وتسعون نعجة } إن كان جميعهن أحرارا فذلك شرعه ، وإن كن إماء فذلك شرعنا .

                                                                                                                                                                                                              والظاهر أن شرع من قبلنا لم يكن محصورا بعدد ، وإنما الحصر في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لضعف الأبدان وقلة الأعمار .

                                                                                                                                                                                                              وهم وتنبيه وهي : المسألة الثالثة قال بعض المفسرين : لم يكن لداود مائة امرأة ، وإنما ذكر التسعة والتسعين [ ص: 41 ] مثلا . المعنى هذا غني عن الزوجة وأنا مفتقر إليها ، وهذا فاسد من وجهين : أحدهما أن العدول عن الظاهر بغير دليل لا معنى له ، ولا دليل يدل على أن شرع من قبلنا كان مقصورا من النساء على ما في شرعنا .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنه روى البخاري وغيره أن سليمان قال : لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله . ونسي أن يقول إن شاء الله وهذا نص قدمنا تحقيقه قبل .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة قوله تعالى : { أكفلنيها } : فيه ثلاثة أقوال : الأول : من كفلها أي ضمها أي اجعلها تحت كفالتي . الثاني : أعطنيها . ويرجع إلى الأول ; لأنه أعم منه معنى . الثالث : تحول لي عنها ; قاله ابن عباس . ويرجع إلى العطاء والكفالة إلا أنه أعم من الكفالة وأخص من العطاء .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة قوله تعالى : { وعزني في الخطاب } . يعني غلبني ، من قولهم : من عز بز .

                                                                                                                                                                                                              واختلف في سبب الغلبة ; فقيل معناه : غلبني ببيانه . وقيل : غلبني بسلطانه ; لأنه لما سأله لم يستطع خلافه .

                                                                                                                                                                                                              كان ببلدنا أمير يقال له سير بن أبي بكر ، فكلمته في أن يسأل لي رجلا حاجة ، فقال لي : أما علمت أن طلب السلطان الحاجة غصب لها . فقلت : أما إذا كان عدلا فلا .

                                                                                                                                                                                                              فعجبت من عجمته وحفظه لما تمثل به ، وفطنته ، كما عجب من جوابي له واستغربه .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية