الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثامنة عشرة قوله : { ثم يعودون لما قالوا } : وهو حرف مشكل ; واختلف الناس فيه قديما وحديثا ، وقد بيناه في ملجئة المتفقهين إلى معرفة غوامض النحويين .

                                                                                                                                                                                                              ومحصول الأقوال سبعة :

                                                                                                                                                                                                              أحدها : أنه العزم على الوطء ; وهو مشهور قول العراقيين . [ ص: 161 ]

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنه العزم على الإمساك .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : العزم عليهما ; وهو قول مالك في موطئه .

                                                                                                                                                                                                              الرابع : أنه الوطء نفسه .

                                                                                                                                                                                                              الخامس : قال الشافعي : هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق .

                                                                                                                                                                                                              السادس : أنه لا يستبيح وطأها إلا بكفارة .

                                                                                                                                                                                                              السابع : هو تكرير الظهار بلفظه ، ويسند إلى بكير بن الأشج .

                                                                                                                                                                                                              فأما القول بأنه العود إلى لفظ الظهار فهو باطل قطعا ، ولا يصح عن بكير ، وإنما يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه . وقد رويت قصص المتظاهرين ، وليس في ذكر الكفارة عليهم ذكر لعود القول منهم . وأيضا فإن المعنى ينقضه ; لأن الله تعالى وصفه بأنه منكر من القول وزور ، فكيف يقال له إذا أعدت القول المحرم والسبب المحظور وجبت عليك الكفارة ، وهذا لا يعقل ; ألا ترى أن كل سبب يوجب الكفارة لا تشترط فيه الإعادة من قتل ووطء في صوم ونحوه .

                                                                                                                                                                                                              وأما قول الشافعي بأنه ترك الطلاق مع القدرة عليه فينقضه ثلاثة أمور أمهات :

                                                                                                                                                                                                              الأول : أنه قال { ثم } وهذا بظاهره يقتضي التراخي .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أن قوله { ثم يعودون } يقتضي وجود فعل من جهته ، ومرور الزمان ليس بفعل منه .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : أن الطلاق الرجعي لا ينافي البقاء على الملك ، فلم يسقط حكم الظهار كالإيلاء .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : فإذا رآها كالأم لم يمسكها ; إذ لا يصح إمساك الأم بالنكاح . وهذا عمدة أهل ما وراء النهر .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : إذا عزم على خلاف ما قال ، ورآها خلاف الأم كفر ، وعاد إلى أهله . [ ص: 162 ]

                                                                                                                                                                                                              وتحقيق هذا القول أن العزم قول نفسي ، وهذا رجل قال قولا يقتضي التحليل ، وهو النكاح ، وقال قولا يقتضي التحريم وهو الظهار ، ثم عاد لما قال ، وهو قول التحليل ; فلا يصح أن يكون منه ابتداء عقد ; لأن العقد باق ، فلم يبق إلا أنه قول عزم يخالف ما اعتقده ، وقاله في نفسه من الظهار الذي أخبر عنه بقوله : أنت علي كظهر أمي .

                                                                                                                                                                                                              وإذا كان ذلك كفر ، وعاد إلى أهله لقوله : { من قبل أن يتماسا } ، وهذا تفسير بالغ في فنه .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : العزم على الفعل محرم ، فلا أثر له في موافقة المحرم .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : هذا لا معنى له ; لأنه إنما يعزم على ما يجوز له بمحلل ، وهو الكفارة .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية