الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الثالثة قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم } .

                                                                                                                                                                                                              الآية فيها ست مسائل : المسألة الأولى قد بينا العداوة ومقابلتها الولاية في كتاب الأمد الأقصى وغيره [ ص: 226 ] وحققنا أن الولاية هي القرب ، وأن العداوة هي البعد ، وأوضحنا أن القرب والبعد يكونان حقيقة بالمسافة ; وذلك محال في حق الإله ، ويكونان بالمودة والمنزلة ; وذلك جائز في حق الإله ، وكلا الوجهين يجوز على الخلق .

                                                                                                                                                                                                              والمراد بالعداوة هاهنا بعد المودة والمنزلة ; فإن الزوجة قريب ، والولد قريب ، بحكم المخالطة ، والصحبة ، ولكنهما قد يقربان بالألفة الحسنة والعشرة الجميلة ، فيكونان وليين ، وقد يبعدان بالنفرة والفعل القبيح ، فيكونان عدوين ، وعن هذا أخبر الله سبحانه ، ومنه حذر ، وبه أنذر .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية ثبت عن ابن عباس من طريق الترمذي وغيره أنه سأله رجل عن هذه الآية : { يأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } قال : هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة ، وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ; فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا الناس فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم ; فأنزل الله عز وجل : { يأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة هذا يبين وجه العداوة ; فإن العدو لم يكن عدوا لذاته ، وإنما كان عدوا لفعله ، فإذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدوا ، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة .

                                                                                                                                                                                                              وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن الشيطان قعد لابن آدم في طريق الإيمان . فقال له : أتؤمن وتذر دينك ودين آبائك ، فخالفه فآمن . ثم قعد له على طريق الهجرة ، فقال له : أتهاجر وتترك أهلك ومالك ; فخالفه فهاجر ; فقعد له في طريق الجهاد ، فقال : أتجاهد فتقتل نفسك وتنكح نساؤك ، ويقسم مالك ، فخالفه فجاهد فقتل ، فحق على الله أن يدخله الجنة } .

                                                                                                                                                                                                              وقعود الشيطان يكون بوجهين : [ ص: 227 ] أحدهما يكون بالوسوسة .

                                                                                                                                                                                                              والثاني : بأن يحمل على ما يريد من ذلك الزوج والولد والصاحب . قال الله سبحانه : { وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم } . في حكمة عيسى عليه السلام : من اتخذ أهلا ومالا وولدا كان للدنيا عبدا .

                                                                                                                                                                                                              وفي صحيح الحديث بيان أدنى من ذلك حال العبد ; قال النبي صلى الله عليه وسلم { : تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد القطيفة ، تعس فانتكس ، وإذا شيك فلا انتفش } ، ولا دناءة أعظم من عبادة الدينار والدرهم ، ولا همة أخس من همة ترتفع بثوب جديد .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة كما أن الرجل يكون له ولده وزوجه عدوا كذلك المرأة يكون لها ولدها وزوجها عدوا بهذا المعنى بعينه .

                                                                                                                                                                                                              وعموم قوله : { من أزواجكم } يدخل فيه الذكر والأنثى كدخولهما في كل آية .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية