الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              . المسألة الرابعة إن الله سبحانه خلق المكان والزمان سعة للإنسان ومجالا للعمل كما تقدم في قوله : { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا } ، وكما أن العمل في الآدمي أصل خلقي ، فكذلك الزمان للسياحة وجه خلقي أيضا ، لكن الحكمة فيه أن يقدم للدار الأخرى ، ويعتمد فيه قبل العمل ما هو به أولى وأحرى ، ولو عمره كله بالشكر والذكر ورزق على ذلك قدرة ما كان قضاء لحق النعمة ، فوضعه الله أوقاتا للعبادة ، وأوقاتا للعادة .

                                                                                                                                                                                                              فالنهار خمسة أقسام : الأول : من الصبح إلى طلوع الشمس ، محل [ ص: 281 ] لصلاة الصبح ، وهو فسحة للفريضة ، فإن أديت كانت فيه محلا للذكر ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس [ حسا ] ، فإذا طلعت قام إلى وظيفته الآدمية حتى تبيض الشمس ، فيكون هنالك عبادة نفلية يمتد وقتها إلى أن تجد الفصال حر الشمس في الأرض ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال } .

                                                                                                                                                                                                              وهو أيضا خلفة لمن نام عن قيام الليل ، لقوله عليه الصلاة والسلام : { من فاته حزبه من الليل فصلاه ما بين صلاة الصبح إلى صلاة الظهر فكأنه لم يفته وهو مغمور بحال المعاش . }

                                                                                                                                                                                                              [ قال الإمام ] : كنا بثغر الإسكندرية مرابطين أياما ، وكان في أصحابنا رجل حداد ، وكان يصلي معنا الصبح ، ويذكر الله إلى طلوع الشمس ، ثم يحضر حلقة الذكر ، ثم يقوم إلى حرفته ، حتى إذا سمع النداء بالظهر رمى بالمرزبة في أثناء العمل وتركه ، وأقبل على الطهارة ، وجاء المسجد فصلى وأقام في صلاة أو ذكر حتى يصلي العصر ، ثم ينصرف إلى منزله في معاشه ، حتى إذا غابت الشمس جاء فصلى المغرب ، ثم عاد إلى فطره ، ثم يأتي المسجد فيركع أو يسمع ما يقال من العلم ، حتى إذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله .

                                                                                                                                                                                                              وهو محل للقائلة ، وهي نوم النهار المعين على قيام الليل في الصلاة أو العلم .

                                                                                                                                                                                                              فإذا زالت الشمس حانت صلاة الظهر ، فإذا صار ظل كل شيء مثله حانت صلاة العصر ، فإذا غربت الشمس زال النهار بوظائفه ونوافله .

                                                                                                                                                                                                              ثم يدخل الليل فتكون صلاة المغرب ، وكان ما بعدها وقتا للتطوع ، يقال إنه المراد بقوله : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } وإنه المراد أيضا بقوله : { إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا }

                                                                                                                                                                                                              ثم يغيب الشفق فتدخل العشاء الآخرة ، ويمتد وقتها إلى نصف الليل أو ثلثه ، وهو محل النوم إذا صلى العشاء [ الآخرة ] إلى نصف الليل فإذا انتصف الليل فهو وقت لقيام الليل . [ ص: 282 ]

                                                                                                                                                                                                              في الحديث الصحيح : { ينزل ربنا جل وعلا كل ليلة إلى السماء الدنيا إذا ذهب شطر الليل . فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ، حتى إذا ذهب ثلث الليل فهو أيضا وقت للقيام } ، لقوله : { إذا بقي ثلث الليل ينزل ربنا إلى سماء الدنيا } الحديث .

                                                                                                                                                                                                              وفي الحديث أيضا خرجه مسلم { إذا ذهب ثلث الليل الأول ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له } ؟ وعلى هذا الترتيب جاء قوله تعالى : { قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا } هو إذا بقي ثلث الليل { أو زد عليه } : هو إذا ذهب ثلث الليل الأول ، وبهذا الترتيب انتظم الحديث والقرآن فإنهما ينظران من مشكاة واحدة ، حتى إذا بقي سدس الليل كان محلا للنوم ، ففي الحديث الصحيح : { أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على سنن داود في صومه وقيامه ، فقال عليه السلام : إن داود كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، ثم يطلع الفجر فتعود الحالة الأولى هكذا أبدا ، ذلك تقدير العزيز العليم ، وتدبير العلي الحكيم . }

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية