الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة السادسة عشرة : قوله تعالى : { حتى يطهرن } : [ ص: 228 ] والمسألة السابعة عشرة : قوله تعالى : { فإذا تطهرن } : وهما ملتزمتان ، وقد اختلف الناس فيه اختلافا متباينا نطيل النفس فيه قليلا ; وفيه ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                              الأول : أن معنى قوله تعالى : { حتى يطهرن } ; حتى ينقطع دمهن ; قاله أبو حنيفة ، ولكنه ناقض في موضعين ; قال : إذا انقطع دمها لأكثر الحيض حينئذ تحل ، وإن انقطع دمها لأقل الحيض لم تحل حتى يمضي وقت صلاة كامل .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : لا يطؤها حتى تغتسل بالماء غسل الجنابة ; قاله الزهري وربيعة والليث ومالك وإسحاق وأحمد وأبو ثور .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : تتوضأ للصلاة ; قاله طاوس ومجاهد .

                                                                                                                                                                                                              فأما أبو حنيفة فينقض قوله بما ناقض فيه فإنه تعلق بأن الدم إذا انقطع لأقل الحيض لم يؤمن عودته . قلنا : ولا تؤمن عودته إذا مضى وقت صلاة ، فبطل ما قلته .

                                                                                                                                                                                                              والتعلق بالآية يدفع من وجهين :

                                                                                                                                                                                                              أحدهما : أن الله تعالى قال : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } مخففا . وقرئ " حتى يطهرن " مشددا . والتخفيف وإن كان ظاهرا في استعمال الماء فإن التشديد فيه أظهر لقوله تعالى : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } ; فجعل ذلك شرطا في الإباحة وغاية للتحريم .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : المراد بقوله تعالى : { حتى يطهرن } حتى ينقطع عنهن الدم ; وقد يستعمل التشديد موضع التخفيف ، فيقال : تطهر بمعنى طهر ، كما يقال : قطع وقطع ، ويكون هذا أولى ، لأنه لا يفتقر إلى إضمار ، ومذهبكم يفتقر إلى إضمار قولك بالماء .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : لا يقال اطهرت المرأة بمعنى انقطع دمها ، ولا يقال قطع مشددا بمعنى قطع مخففا ، وإنما التشديد [ بمعنى ] تكثير التخفيف .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 229 ] جواب آخر : وهو أنه قد ذكر بعده ما يدل على المراد ، فقال : " فإذا تطهرن " والمراد بالماء .

                                                                                                                                                                                                              والظاهر أن ما بعد الغاية في الشرط هو المذكور في الغاية قبلها ، فيكون قوله تعالى : { حتى يطهرن } مخففا ، وهو معنى قوله " يطهرن " مشددا بعينه ، ولكنه جمع بين اللغتين في الآية ، كما قال تعالى : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين } وقال الكميت :

                                                                                                                                                                                                              وما كانت الأبصار فيها أذلة ولا غيبا فيها إذا الناس غيب

                                                                                                                                                                                                              وقيل : إن قوله تعالى : { فإذا تطهرن } ابتداء كلام لا إعادة لما تقدم ، ولو كان إعادة لاقتصر على الأول فقال : حتى يطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله خاصة ، فلما زاد عليه دل على أنه استئناف حكم آخر .

                                                                                                                                                                                                              فالجواب : أن هذا خلاف الظاهر ; فإن المعاد في الشرط هو المذكور في الغاية ، بدليل ذكره بالفاء ، ولو كان غيره لذكره بالواو .

                                                                                                                                                                                                              وأما الزيادة عليه فلا تخرجه عن أن يكون بعينه ; ألا ترى أنه لو قال : لا تعط هذا الثوب زيدا حتى يدخل الدار ، فإذا دخل فأعطه الثوب ومائة درهم ، لكان هو بعينه ، ولو أراد غيره لقال : لا تعطه حتى يدخل الدار ، فإذا دخل وجلس فافعل كذا وكذا ; هذا طريق النظم في اللسان .

                                                                                                                                                                                                              جواب آخر : وذلك أن قولهم : إنا لا نفتقر في تأويلنا إلى إضمار ; وأنتم تفتقرون إلى إضمار .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : لا يقع بمثل هذا ترجيح ; فإن هذا الإضمار من ضرورة الكلام ، فهذا كالمنطوق به .

                                                                                                                                                                                                              جواب ثالث : وهو المتعلق الثاني من الآية : إنا نقول : نسلم أن قوله تعالى : { حتى يطهرن } أن معناه حتى ينقطع دمهن ، لكنه لما قال بعد ذلك : فإذا تطهرن ، معناه فإذا اغتسلن بالماء تعلق الحكم على شرطين :

                                                                                                                                                                                                              أحدهما : انقطاع الدم .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 230 ] الثاني : الاغتسال بالماء .

                                                                                                                                                                                                              فوقف الحكم وهو جواز الوطء على الشرطين ، وصار ذلك لقوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } فعلق الحكم وهو جواز دفع المال على شرطين :

                                                                                                                                                                                                              أحدهما : بلوغ النكاح ، والثاني : إيناس الرشد .

                                                                                                                                                                                                              فوقف عليهما ولم يصح ثبوته بأحدهما ، وكذلك قوله تعالى في المطلقة ثلاثا : { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } ثم جاءت السنة باشتراط الوطء ; فوقف التحليل على الأمرين جميعا ، وهما انعقاد النكاح ، ووقوع الوطء ، وعلى هذا عول الجويني .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : هذا حجة عليكم فإنه مد التحريم إلى غاية ، وهي انقطاع الدم ، وما بعد الغاية مخالف لما قبلها ، فوجب أن يحصل الجواز بعد انقطاع الدم لسبب حكم الغاية .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : إنما يكون حكم الغاية مخالفا لما قبلها إذا كانت مطلقة ، فأما إذا انضم إليها شرط آخر فإنما يرتبط الحكم بما وقع القول عليه من الشرط لقوله تعالى : { حتى إذا بلغوا النكاح } ; ولقوله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } وكما بيناه .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : ليس هذا تجديد شرط زائد ، وإنما هو إعادة للكلام ، كما تقول : لا تعط زيدا شيئا حتى يدخل الدار ، فإذا دخل فأعطه ; وحمله على هذا أولى من وجهين :

                                                                                                                                                                                                              أحدهما : أنه يحفظ حكم الغاية ويقرها على أصلها .

                                                                                                                                                                                                              والثاني : أن الظاهر من لفظ الشرط أنه المذكور في الغاية .

                                                                                                                                                                                                              فالجواب عنه من تسعة أوجه :

                                                                                                                                                                                                              أحدها : أنا نقول : روى عطية ، عن ابن عباس أنه قال : " فإذا تطهرن بالماء " ، وهو قول مجاهد وعكرمة .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 231 ] الثاني : أن تطهر لا يستعمل إلا فيما يكتسبه الإنسان وهو الاغتسال بالماء ، فأما انقطاع الدم فليس بمكتسب .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : بل يستعمل تفعل في غير الاكتساب ، كما يقال : تقطع الحبل ، وكما يقال في صفات الله سبحانه : تجبر وتكبر ، وليس في ذلك اكتساب ولا تكلف .

                                                                                                                                                                                                              فالجواب عنه من أوجه : أحدها : أن الظاهر من اللغة ما قلناه ، وقوله : تقطع الحبل نادر ، فلا يقاس عليه حكم .

                                                                                                                                                                                                              جواب آخر : هبكم سلمنا لكم أنه مستعمل ، ففي مسألتنا لا يستعمل ، فلا يقال تطهرت المرأة بمعنى انقطع دمها .

                                                                                                                                                                                                              وإذا لم يجز استعماله في مسألتنا لم يقع استعماله في غيرها ، وهذه نكتة بديعة من المجاز ; وذلك أنه إنما يحمل اللفظ على الشيء إذا كان مستعملا على سبيل المجاز .

                                                                                                                                                                                                              وأما مجاز استعمل في موضع آخر فلا يجوز أن يجعل طريقا إلى تأويل اللفظ فيما لم يستعمل فيه ; وفي ذلك الموضع إنما حملناه على ذلك للضرورة ، وهو أن الجمادات لا توصف بالاكتساب للأفعال وتكلفها ، ولذلك يستحيل في صفات الله تعالى وفي أفعاله التكلف ، فحمل اللفظ على ما وضع له من أجل الضرورة ، وهذا لا يوجب خروجه عن مقتضاه لغير ضرورة . وهذا جواب القاضي أبي الطيب الطبري .

                                                                                                                                                                                                              جواب ثالث : قال تعالى في آخر الآية : { ويحب المتطهرين } فمدحهن وأثنى عليهن ، فلو كان المراد به انقطاع الدم ما كان فيه مدح ; لأنه من غير عملهن ، والباري سبحانه قد ذم على مثل هذا فقال : { ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : هذا ابتداء كلام ، وليس براجع إلى ما تقدم ، بدليل قوله تعالى : { يحب التوابين } ; ولم يجر للتوبة ذكر . قلنا : سيأتي الجواب عنه إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 232 ] جواب رابع عن أصل السؤال : وهو قولهم : إنما حملنا الآية على هذا كما قد حفظنا موجب الغاية ومقتضاها ، فهذا لو اقتصر على الغاية ، فأما إذا قرن بها الشرط فذلك لا يلزم كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                              جواب خامس : وهو أنا نقول : إن كنا نحن قد تركنا موجب الغاية فقد حملتم أنتم اللفظ على التكرار ، فتركتم فائدة عوده ، وإذا أمكن حمل اللفظ على فائدة مجددة لم يحمل على التكرار في كلام الناس ، فكيف كلام العليم الحكيم ؟

                                                                                                                                                                                                              جواب سادس : ليس حملكم قوله تعالى : { فإذا تطهرن } على قوله : { حتى يطهرن } بأولى من حملنا قوله تعالى : { حتى يطهرن } على قوله : { فإذا تطهرن } ; فوجب أن يقرن كل لفظ منه على مقتضاه ; هذا جواب أبي إسحاق الشيرازي .

                                                                                                                                                                                                              جواب سابع : وذلك أنا إذا حملنا اللفظ على الطهارة بالماء كنا قد حفظنا الآية من التخصيص والأدلة من التناقض ; وإذا حملنا { تطهرن } على انقطاع الدم كنا قد خصصنا الآية وتحكمنا على معنى لفظها بما لا يقتضيه ولا يشهد له فرق فيه ، وتناقضنا في الأدلة ; والذي قلناه أولى . هذا جواب الإمام أبي بكر بن العربي .

                                                                                                                                                                                                              وجواب ثامن : وهو أن المفسرين اتفقوا على أن المراد بالآية التطهر بالماء ; فالمعول عليه هنا جواب الطوسي وهو أضعفها ; وقد كانت المسألة عنده ضعيفة عند لقائنا له ، وقد حصلنا فيها القوة والنصرة بحمد الله تعالى من كل إمام وفي كل طريق .

                                                                                                                                                                                                              جواب تاسع : قولهم : إن الظاهر من اللفظ المعاد في الشرط أن يكون بمعنى الغاية إنما ذلك إذا كان معادا بلفظ الأول ; أما إذا كان معادا بغير لفظه فلا ، وهو قد قال هاهنا : حتى " يطهرن " مخففا ، ثم قال في الذي بعده : " فإذا تطهرن " مشددا ، وعلى هذه القراءة كان كلامنا ، فوجب أن يكون غيره كما في آية التيمم .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 233 ] فإن قيل وهو آخر أسئلة القوم ، وأعمدها : القراءتان كالآيتين ، فيجب أن يعمل بهما ، ونحن نحمل كل واحدة منهما على معنى فتحمل المشددة على ما إذا انقطع دمها للأقل ، فإنا لا نجوز وطأها حتى تغتسل ، وتحمل القراءة الأخرى على ما إذا انقطع دمها للأكثر ، فنجوز وطأها وإن لم تغتسل .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : قد جعلنا القراءتين حجة لنا ، وبينا وجه الدليل من كل واحدة منهما ; فإن قراءة التشديد تقتضي التطهر بالماء ، وقراءة التخفيف أيضا موجبة لذلك كما بيناه .

                                                                                                                                                                                                              جواب ثان : وذلك أن إحدى القراءتين أوجبت انقطاع الدم ، والأخرى أوجبت الاغتسال بالماء ، كما أن القرآن اقتضى تحليل المطلقة ثلاثا للزوج الأول بالنكاح ، واقتضت السنة التحليل بالوطء ، فجمعنا بينهما .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : إذا اعتبرتم القراءتين هكذا كنتم قد حملتموها على فائدة واحدة ، وإذا اعتبرناها نحن كما قلنا حملناها على فائدتين متجددتين ، وهي اعتبار انقطاع الدم في قوله تعالى : { تطهرن } في أكثر الحيض ، واعتبار قوله : يطهر في الأقل .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : نحن وإن كنا قد حملناهما على معنى واحد فقد وجدنا لذلك مثالا في القرآن والسنة ، وحفظنا نطق الآية ولم نخصه ، وحفظنا الأدلة فلم ننقضها ; فكان تأويلنا يترتب على هذه الأصول الثلاثة ; فهو أولى من تأويل آخر يخرج عنها .

                                                                                                                                                                                                              جواب آخر : وذلك أن ما ذكرتموه من الجمع يقتضي إباحة الوطء عند انقطاع الدم للأكثر ، وما قلنا يقتضي الحظر ; وإذا تعارض باعث الحظر وباعث الإباحة غلب باعث الحظر ، كما قال عثمان وعلي رضي الله عنهما في الجمع بين الأختين بملك اليمين : " أحلتهما آية وحرمتهما آية ، والتحريم أولى " .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : قوله تعالى : { ويسألونك عن المحيض } ثم قال : { فاعتزلوا النساء في المحيض } وهو زمان الحيض ، ومتى انقطع الدم لدون أكثر الحيض فالزمان باق ، فبقي النهي ، وهذا اعتراض أبي الحسن القدوري .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 234 ] أجاب القاضي أبو الطيب الطبري فقال : [ المحيض ] هو الحيض بعينه ، بدليل أنه يقال : حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ، فلا يكون لهم فيه حجة .

                                                                                                                                                                                                              وأجاب عنه أبو إسحاق الشيرازي بأن قال : أراد بقوله : " المحيض " نفس الحيض ، بدليل قوله تعالى : { قل هو أذى } فإن قيل : بهذا نحتج فإنه إذا زال الدم زال الأذى ; فجاز الوطء ; فإن الحكم إذا ثبت لعلة زال بزوالها .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : هذا ينتقض بما إذا انقطع الدم لأقل الحيض ; فإن زالت العلة ولم يزل الحكم ; وذلك لفقه ; وهو أن الله تعالى بين علة التحريم ، وهو وجود الأذى ، ثم لم يربط زوال الحكم بزوال العلة حتى ضم إليه شرطا آخر ، وهو الغسل بالماء ; وذلك في الشرع كثير .

                                                                                                                                                                                                              وأما طاوس ومجاهد فالكلام معهما سهل ; لأنه خلاف لظاهر القرآن على القولين جميعا ، وهما تفسير الطهر بالانقطاع أو الاغتسال ; ولذلك حملنا قوله تعالى : { فاطهروا } على الاغتسال في الجملة ; فأي فرق بين اللفظين أو المسألتين ؟ ويدل عليهما من طريق المعنى أن نقول : الحيض معنى يمنع الصوم ; فكان الطهر الوارد فيه محمولا على جميع الجسد أصله الجنابة .

                                                                                                                                                                                                              وأما داود فإنا لم نراع خلافه ; لأنه إن كان يقول بخلق القرآن ويضلل أصحاب محمد في استعمالهم القياس كفرناه ; فإن راعينا إشكال سؤاله ، قلنا : هذا الكلام هو عكس الظاهر ; لأن الله تعالى قال : { حتى يطهرن } وهذا ضمير النساء ; فكيف يصح أن يسمع الله تعالى يقول : { حتى يطهرن } فيقول : إن وطأها جائز ، مع أن الطهارة عليها واجبة ; فيبيح الوطء قبل وجود غايته التي علق جواز الوطء عليها .

                                                                                                                                                                                                              واعتبر ذلك بعطف قوله تعالى : { ولا تقربوهن } ; على قوله تعالى [ ص: 235 ] { فاعتزلوا النساء } تجده صحيحا ; فإن كان المراد اعتزلوا جملة المرأة كان قوله تعالى : { ولا تقربوهن } عاما فيها ، فيكون قوله تعالى : { حتى يطهرن } راجعا إلى جملتها ، وإن كان المراد بقوله تعالى : { فاعتزلوا } أسفلها من السرة إلى الركبة وجب عليه أن يقول : حتى يطهر ذلك الموضع كله ; ولا يصح له ; لأنه كان نظام الكلام لو أراد ذلك حتى يطهرنه ، وكذلك لو كان المراد فاعتزلوا الفرج سواء بسواء .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : قال الله تعالى : { قل هو أذى } فإذا زال الأذى جاز الوطء . قلنا : عنه جوابان :

                                                                                                                                                                                                              أحدهما : أنه لو كان الاعتبار بزوال الأذى ما وجب غسل الفرج عندك ، لأن الأذى قد زال بالجفوف أو القصة البيضاء ، فغسل الفرج إذ ذاك يكون وقد زالت العلة ولم يبق له أثر ، فلا فائدة فيه ، فدل أن الاعتبار بحكم الحيض لا بوجوده .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنه علل بكونه أذى ، ثم منع القربان حتى تكون الطهارة من الأذى ، وهذا بين .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية