الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 354 ] المسألة الثالثة : في معنى الآية : قال علماؤنا : كان لعمران بن ماثان ابنتان : إحداهما حنة والأخرى يملشقع وبنو ماثان من ملوك بني إسرائيل من نسل داود عليه السلام وكان في ذلك الزمان لا يحرر إلا الغلمان ، فلما نذرت قال لها زوجها عمران : أرأيتك إن كان ما في بطنك أنثى كيف نفعل ؟ فاهتمت لذلك فقالت : إني نذرت لك ما في بطني محررا ، فتقبل مني إنك أنت السميع العليم . وذلك لأنها كانت لا ولد لها ، فلما حملت نذرت إن الله أكمل لها الحمل ووضعته فإنه حبس على بيت المقدس .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة : قال أشهب عن مالك : جعلته نذرا تفي به . قالوا : فلما وضعتها ربتها حتى ترعرعت ، وحينئذ أرسلتها . وقيل : لفتها في خرقها وقالت : رب إني وضعتها أنثى ، وليس الذكر كالأنثى ، وقد سميتها مريم ، وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ، وأرسلتها إلى المسجد وفاء بنذرها ، كما أشار إليه مالك ، وتبريا منها حين حررتها لله ، أي خلصتها . والمحرر والحر : هو الخالص من كل شيء .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة : لا خلاف أن امرأة عمران لا يتطرق إلى حملها نذر لكونها حرة ، فلو كانت امرأته أمة فلا خلاف أن المرء لا يصح له نذر ولده كيف ما تصرفت حاله فإنه إن كان الناذر عبدا لم يتقرر له قول في ذلك ، وإن كان الناذر حرا فولده لا يصح أن يكون مملوكا له ; وكذلك المرأة مثله ; وأي وجه للنذر فيه ؟ وإنما معناه والله أعلم أن المرء إنما يريد ولده للأنس به والاستبصار والتسلي والمؤازرة ; فطلبت المرأة الولد أنسا به وسكونا إليه ، فلما من الله تعالى عليها به نذرت أن حظها من الأنس به متروك فيه ; وهو على خدمة الله تعالى موقوف . وهذا نذر الأحرار من الأبرار ، وأرادت به محررا من جهتي ، محررا من رق الدنيا وأشغالها . فتقبله مني . [ ص: 355 ] وقد قال رجل من الصوفية لأمه : يا أماه ; ذريني لله أتعبد له وأتعلم العلم . فقالت : نعم ، فسار حتى تبصر ثم عاد إليها فدق الباب ، فقالت : من ؟ قال : ابنك فلان . قالت : قد تركناك لله ولا نعود فيك .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية