الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى : { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما } فيها أربع مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : فيها ثلاثة أقوال : الأول : أن الإذاية في الأبكار قاله قتادة والسدي وابن زيد .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنها عامة في الرجال والنساء .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : أنها عامة في أبكار الرجال وثيبهم قاله مجاهد ; واحتج بأن لفظ الآية الأولى مؤنث ; فاقتضى النساء ; وهذا لفظ مذكر ، فاقتضى الرجال . [ ص: 465 ]

                                                                                                                                                                                                              ورد عليه الطبري وأبو عبد الله النحوي وغيرهما وقالوا : إن لفظ الآية الثانية يصلح للذكر والأنثى . قال ابن العربي : والصواب مع مجاهد ; وبيانه أن الآية الأولى نص في النساء بمقتضى التأنيث والتصريح باسمهن المخصوص لهن ، فلا سبيل لدخول الرجال فيه ، ولفظ الثانية يحتمل الرجال والنساء ، وكان يصح دخول النساء معهم فيها لولا أن حكم النساء تقدم ، والآية الثانية لو استقلت لكانت حكما آخر معارضا له ، فينظر فيه ، ولكن لما جاءت منوطة بها ، مرتبطة معها ، محالة بالضمير عليها فقال : { يأتيانها منكم } علم أنه أراد الرجال ضرورة . وإذا ثبت هذا قلنا وهي :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : إن قوله : { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما } عام في البكر والثيب ، فاقتضى مساق الآيتين أن الله تعالى جعل في زنا النساء عقوبة الإمساك في البيوت ، وجعل في زنا الرجال على الإطلاق فيهما جميعا الإيذاء ، فاحتمل وهي :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : أن يكون الإيذاء الذي جعل الله عقوبة لهم [ عقوبة ] دون الإمساك ، واحتمل الإيذاء والإمساك حملا على النساء ، والأول أظهر . وإذا ثبت هذا فهاهنا نكتة حسنة وهي :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة : أن الجلد بالآية والرجم بالحديث نسخ هذا الإيذاء في الرجال ; لأنه لم يكن ممدودا إلى غاية ، وقد حصل التعارض ; وعلم التاريخ ، ولم يمكن الجمع ، فوجب القضاء بالنسخ ; وأما الجلد فقرآن نسخ قرآنا ، وأما الرجم فخبر متواتر نسخ قرآنا ، ولا خلاف فيه بين المحققين ، وقد بيناه في أصول الفقه ، وأوعبنا القول في القسم الثاني قبل هذا فيه .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية