الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 316 ] 1238 - ( وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ويجلس بين الخطبتين ويقرأ آيات ويذكر الناس . } رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( يخطب قائما ) فيه أن القيام حال الخطبة مشروع ، وسيأتي الخلاف في حكمه قوله : ( ويجلس بين الخطبتين ) فيه مشروعية الجلوس بين الخطبتين .

                                                                                                                                            واختلف في وجوبه فذهب الشافعي والإمام يحيى إلى وجوبه ، وذهب الجمهور إلى أنه غير واجب واستدل من أوجب ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم ، وقوله : { صلوا كما رأيتموني أصلي } وقد قدمنا الجواب عن مثل هذا الاستدلال ، وأنه غير صالح لإثبات الوجوب . قوله : ( بين الخطبتين ) فيه أنالمشروع خطبتان ، وقد ذهب إلى وجوبهما العترة والشافعي . وحكى العراقي في شرح الترمذي عن مالك وأبي حنيفة والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وابن المنذر وأحمد بن حنبل في رواية : أن الواجب خطبة واحدة . قال : وإليه ذهب جمهور العلماء ، ولم يستدل من قال بالوجوب إلا بمجرد الفعل مع قوله : " صلوا كما رأيتموني " الحديث .

                                                                                                                                            وقد عرفت أن ذلك لا ينتهض لإثبات الوجوب قوله : ( ويقرأ آيات ويذكر الناس ) استدل به على مشروعية القراءة والوعظ في الخطبة ، وقد ذهب الشافعي إلى وجوب الوعظ وقراءة آية ، وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى ولكنه قال : تجب قراءة سورة . وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب وهو الحق .

                                                                                                                                            1239 - ( وعنه أيضا رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أنه كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة ، إنما هي كلمات يسيرات } رواه أبو داود ) . الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وهو من رواية شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن سماك ، ورجال إسناده ثقات ، وفيه أن الوعظ في الخطبة مشروع ، وأن إقصار الخطبة أولى من إطالتها ، وسيأتي الكلام على ذلك .

                                                                                                                                            1240 - ( وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها قالت : { ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب [ ص: 317 ] الناس . } رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود ) وفي الباب عن يعلى بن أمية عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي قال : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر { ونادوا يا مالك } } .

                                                                                                                                            وعن أبي هريرة عند البزار قال : { خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم جمعة فذكر سورة } وله حديث آخر عند ابن عدي في الكامل قال : { خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس على المنبر يقرأ آيات من سورة البقرة } وعن أبي بن كعب عند ابن ماجه : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم يذكر بأيام الله تعالى } وهو من رواية عطاء بن يسار عن أبي ولم يدركه وعن جابر بن عبد الله عند الطبراني في الأوسط : { أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقرأ في خطبته آخر الزمر ، فتحرك المنبر مرتين } وفي إسناده أبو بحر البكراوي ، واسمه عبد الرحمن بن عثمان بن أمية ، وقد طرح الناس حديثه . وقال أبو داود : صالح ، وفي إسناده أيضا عباد بن ميسرة المنقري ، ضعفه أحمد ويحيى وعن ابن عمر عند ابن عدي في الكامل بلفظ حديث جابر بن عبد الله ، وفي إسناده عباد بن ميسرة وهو ضعيف كما تقدم ، وله حديث آخر عند ابن عدي : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر { والأرض جميعا قبضته } الآية } وفي إسناده المنكدر بن محمد ، وقد ضعفه النسائي ، وعن علي بن أبي طالب ، سلام الله عليه ، عند الطبراني في الأوسط : أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ على المنبر : { قل يا أيها الكافرون } ، و { قل هو الله أحد } } وفي إسناده هارون بن عنترة قال ابن حبان : لا يجوز أن يحتج به ، منكر الحديث ، ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين . وقال الدارقطني : يحتج به وعن أبي الدرداء عند الطبراني أيضا بنحو حديث أبي هريرة المتقدم . وعن أبي ذر عند الطبراني أيضا بنحو حديث أبي هريرة أيضا وعن أبي سعيد عند أبي داود قال : { قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : ص ، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه } قال العراقي : وإسناده صحيح . وقد استدل بحديث الباب وما ذكرناه من الأحاديث على مشروعية قراءة شيء من القرآن في الخطبة ، ولا خلاف في الاستحباب ، وإنما الخلاف في الوجوب كما تقدم .

                                                                                                                                            وقد اختلف في محل القراءة على أربعة أقوال : الأول : في إحداهما لا بعينها ، وإليه ذهب الشافعي وهو ظاهر إطلاق الأحاديث . والثاني : في الأول وإلى ذلك ذهبت الهادوية وبعض أصحاب الشافعي . واستدلوا بما رواه ابن أبي شيبة عن الشعبي مرسلا قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس بوجهه ثم قال : السلام عليكم ويحمد الله تعالى ويثني عليه ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل ، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه } .

                                                                                                                                            والقول الثالث أن القراءة مشروعة فيهما جميعا ، وإلى ذلك ذهب العراقيون [ ص: 318 ] من أصحاب الشافعي قال العراقي : وهو الذي اختاره القاضي من الحنابلة . والرابع : في الخطبة الثانية دون الأولى ، حكاه العمراني ، ويدل له ما رواه النسائي عن جابر عن سمرة قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم ويقرأ آيات ويذكر الله عز وجل } قال العراقي : وإسناده صحيح .

                                                                                                                                            . وأجيب عنه بأن قوله : " يقرأ " معطوف على قوله : " يخطب " لا على قوله : " يقوم " . والظاهر من أحاديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يلازم قراءة سورة أو آية مخصوصة في الخطبة ، بل كان يقرأ مرة هذه السورة ومرة هذه ، ومرة هذه الآية ومرة هذه . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية