الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 123 ] باب النهي عن الاستجمار بدون الثلاثة الأحجار

                                                                                                                                            104 - ( عن عبد الرحمن بن يزيد قال : { قيل لسلمان : علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة ، فقال سلمان : أجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ، أو أن نستنجي باليمين أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار ، أو أن يستنجي برجيع أو بعظم . } رواه مسلم وأبو داود والترمذي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            أما الاستقبال بالغائط والبول فقد تقدم الكلام عليه في باب نهي المتخلي عن استقبال القبلة ، وأما الاستنجاء باليمين فقد تقدم أيضا طرف من الكلام عليه في ذلك الباب ، قال النووي : قد أجمع العلماء على أنه منهي عنه ، ثم الجماهير على أنه نهي تنزيه وأدب لا نهي تحريم . وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام ، قال : وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا ولا تعويل على إشارتهم قال : قال أصحابنا : ويستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شيء من أحوال الاستنجاء إلا لعذر فإذا أستنجى بماء صبه باليمنى ومسح باليسرى ، وإذا استنجى بحجر فإن كان في الدبر مسح بيساره ، وإن كان في القبل وأمكنه وضع الحجر على الأرض أو بين قدميه بحيث يتأتى مسحه أمسك الذكر بيساره ومسحه على الحجر ، وإن لم يمكنه واضطر إلى حمل الحجر حمله بيمينه وأمسك الذكر بيساره ومسح بها ، ولا يحرك اليمنى هذا هو الصواب .

                                                                                                                                            قال : وقال بعض أصحابنا : يأخذ الحجر بيساره ، والذكر بيمينه ويمسح ويحرك اليسرى ، وهذا ليس بصحيح لأنه يمس الذكر من غير ضرورة ، وقد نهي عنه ثم إن في النهي عن الاستنجاء باليمين تنبيها على إكرامها وصيانتها عن الأقذار ونحوها ، والحاصل أنه قد ورد النهي عن مس الذكر باليمين في الحديث المتفق عليه ، وورد النهي عن الاستنجاء باليمين في هذا الحديث وغيره ، فلا يجوز استعمال اليمين في أحد الأمرين وإذا دعت الضرورة إلى الانتفاع بها في أحدهما استعملها قاضي الحاجة في أخف الأمرين في نظره .

                                                                                                                                            وأما النهي عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار فقد ذكرنا في باب نهي المتخلي عن استقبال القبلة الروايات الواردة في هذا المعنى ، وذكرنا هنالك طرفا من فقه هذه الجملة فليرجع إليه . وقد قال بعض أهل الظاهر : إن الاستجمار بالحجر متعين لنصه صلى الله عليه وسلم عليها فلا يجزئ غيره ، وذهب الجمهور إلى أن الحجر ليس متعينا ، بل تقوم الخرقة والخشب وغير ذلك مقامه ، قال النووي : فلا يكون له مفهوم كما في قوله تعالى: { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } .

                                                                                                                                            ويدل على عدم تعين الحجر نهيه صلى الله عليه وسلم عن العظم والبعر والرجيع ولو كان متعينا لنهى عما سواه مطلقا ، وعلى الجملة كل جامد طاهر مزيل للعين ليس له حرمة [ ص: 124 ] يجزئ الاستجمار به ، وأما النهي عن الاستنجاء برجيع أو بعظم فقد ثبت من طرق متعددة والرجيع : الروث وفيه تنبيه على النهي عن جنس النجس فلا يجزئ الاستنجاء بنجس أو متنجس . وقد ذهبت العترة والشافعي وأصحابه إلى عدم إجزاء العظم والروث ، وقال أبو حنيفة : يكره ويجزئ إذ القصد تخفيف النجاسة وهو يحصل بهما ويدل للأول ما أخرجه الدارقطني وصححه من حديث أبي هريرة ، وفيه أنهما لا يطهران . والنهي عن العظم لكونه طعام الجن كما سيأتي ، وفيه تنبيه على جميع المطعومات ويلتحق لها المحترمات كأجزاء الحيوانات وأوراق كتب العلم وغير ذلك .

                                                                                                                                            قوله : ( الخراءة ) هي العذرة ، قال في القاموس : خرئ كسمع ، خرأ وخراءة ويكسر وخروءة : سلح ، والخرأة بالضم العذرة . قوله : ( الخراءة ) الخراءة الممدودة لفظا المذكورة في الحديث بقوله : ( علمكم ) . . . إلخ ، المراد بها الفعل نفسه لا الخارج فينظر في تفسيرها به .

                                                                                                                                            105 - ( وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : { إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثا } . رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            106 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من استجمر فليوتر ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج } . رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            الحديث الأول فيه ابن لهيعة ، وقد أخرجه أيضا الضياء وابن أبي شيبة ، ورواه النسائي في شيوخ الزهري ، وابن منده في المعرفة ، والطبراني من حديث أبي غسان محمد بن يحيى الكناني عن أبيه ابن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب ، أخبرني خلاد بن السائب عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا تغوط الرجل فليتمسح ثلاث مرات } وله طريق أخرى عن خلاد بن السائب عن أبيه في حديث البغوي عن هدبة ، وأعل ابن حزم الطريق الأولى بأن محمد بن يحيى مجهول وأخطأ بل هو معروف ، أخرج له البخاري ، وقال النسائي : ليس به بأس ، قاله الحافظ .

                                                                                                                                            وأما الحديث الثاني فأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والبيهقي ، ومداره على أبي سعيد الحبراني الحمصي ، وفيه اختلاف ، وقيل : إنه صحابي ، قال الحافظ : ولا يصح ، والراوي عنه حصين الحبراني وهو مجهول ، وقال أبو زرعة : شيخ ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في العلل .

                                                                                                                                            والحديث الأول يدل على شرعية الاستجمار بثلاثة أحجار ووجوبه . وقد تقدم ذكر الخلاف فيه في باب [ ص: 125 ] نهي المتخلي عن استقبال القبلة . والحديث الثاني يدل على الإيتار وعلى استحبابه وعدم وجوبه . لقوله : ( ومن لا فلا حرج ) قال الحافظ في الفتح : وهذه الزيادة حسنة الإسناد ، وقد أخذ بظاهره القاسمية وأبو حنيفة ومالك فقالوا : لا يعتبر العدد بل المعتبر الإيتار ، وخالفهم الشافعي وأصحابه وغيرهم كما تقدم .

                                                                                                                                            وقالوا : لا يجوز الاستجمار بدون ثلاث ، ويجوز بأكثر منها إن لم يجعل الإنقاء بها . وقد أشار المصنف رحمه الله تعالىإلى ما هو الحق وهو الذي لاح لي ، فقال : وهذا محمول على أن القطع على وتر سنة فيما إذا زاد على ثلاث جمعا بين النصوص ا هـ . والأدلة المتعاضدة قد دلت على عدم جواز الاستجمار بدون ثلاث ، وليس لمن جوز دليل يصلح للتمسك به في مقابلتها ، وسيأتي الكلام عليه ، وقد تقدم أيضا .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية