الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 368 ] باب حكم الهلال إذا غم ثم علم به من آخر النهار

                                                                                                                                            1304 - ( عن عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار رضي الله عنهم قالوا { غم علينا هلال شوال فأصبحنا صياما ، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس ، فأمر الناس أن يفطروا من يومهم ، وأن يخرجوا لعيدهم من الغد } رواه الخمسة إلا الترمذي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه ، وصححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم والخطابي وابن حجر في بلوغ المرام ، وعلق الشافعي القول به على صحته . وقال ابن عبد البر : أبو عمير مجهول . قال الحافظ : كذا قال وقد عرفه من صحح له . ا هـ . وقول المصنف عن عمير لعله من سقط القلم ، وهو أبو عمير كما في سائر كتب هذا الفن .

                                                                                                                                            والحديث دليل لمن قال : إن صلاة العيد تصلى في اليوم الثاني إن لم يتبين العيد إلا بعد خروج وقت صلاته ، وإلى ذلك ذهب الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وهو قول للشافعي : ومن أهل البيت الهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله وأبو طالب وقيد ذلك أبو طالب بشرط أن يكون ترك الصلاة في اليوم الأول للبس كما في الحديث .

                                                                                                                                            ورد بأن كون الترك للبس إنما هو للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه لا للركب ; لأنهم تركوا الصلاة في يوم العيد عمدا بعد رؤيتهم للهلال بالأمس ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم كما في رواية أبي داود ، يدل على عدم الفرق بين عذر اللبس وغيره كما ذهب إلى ذلك الباقون ، فإنهم لا يفرقون بين اللبس وغيره من الأعذار إما لذلك وإما قياسا لها عليه . وظاهر الحديث أن الصلاة في اليوم الثاني أداء لا قضاء .

                                                                                                                                            وروى الخطابي عن الشافعي أنهم إن علموا بالعيد قبل الزوال صلوا ، وإلا لم يصلوا يومهم ولا من الغد ; لأنه عمل في وقت فلا يعمل في غيره ، قال : وكذا قال مالك وأبو ثور . قال الخطابي : سنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع . وحديث أبي عمير صحيح فالمصير إليه واجب . ا هـ .

                                                                                                                                            وحكى في شرح القدوري عن الحنفية أنهم إذا لم يصلوها في اليوم الثاني حتى زالت الشمس صلوها في اليوم الثالث ، فإن لم يصلوها فيه حتى زالت الشمس سقطت سواء كان لعذر أو لغير عذر . ا هـ . والحديث وارد في عيد الفطر ، فمن قال بالقياس ألحق به عيد الأضحى وقد استدل بأمره صلى الله عليه وسلم للركب أن يخرجوا إلى المصلى لصلاة العيد الهادي والقاسم وأبو حنيفة على أن صلاة العيد من فرائض الأعيان ، وخالفهم في ذلك الشافعي وجمهور [ ص: 369 ] أصحابه .

                                                                                                                                            قال النووي : وجماهير العلماء قالوا : إنها سنة ، وبه قال زيد بن علي والناصر والإمام يحيى . وقال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية : إنها فرض كفاية ، وحكاه المهدي في البحر عن الكرخي وأحمد بن حنبل وأبي طالب وأحد قولي الشافعي ، واستدل القائلون بأنها سنة بحديث : { هل علي غيرها ؟ قال : لا ، إلا أن تطوع } وقد قدمنا في باب تحية المسجد عن هذا الاستدلال مبسوطا فراجعه .

                                                                                                                                            واستدل القائلون إنها فرض كفاية بأنها شعار كالغسل والدفن ، وبالقياس على صلاة الجنازة بجامع التكبيرات ، والظاهر ما قاله الأولون ; لأنه قد انضم إلى ملازمته صلى الله عليه وسلم لصلاة العيد على جهة الاستمرار وعدم إخلاله بها ، الأمر بالخروج إليها ، بل ثبت كما تقدم أمره صلى الله عليه وسلم بالخروج للعواتق والحيض وذوات الخدور ، وبالغ في ذلك حتى أمر من لها جلباب أن تلبس من لا جلباب لها ، ولم يأمر بذلك في الجمعة ولا في غيرها من الفرائض ، بل ثبت الأمر بصلاة العيد في القرآن كما صرح بذلك أئمة التفسير في تفسير قول الله تعالى : { فصل لربك وانحر } فقالوا : المراد صلاة العيد ونحر الأضحية .

                                                                                                                                            ومن مقويات القول بأنها فرض إسقاطها لصلاة الجمعة كما تقدم ، والنوافل لا تسقط الفرائض في الغالب . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية