الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب تعزية المصاب وثواب صبره وأمره به وما يقول لذلك

                                                                                                                                            1492 - ( عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة } رواه ابن ماجه ) .

                                                                                                                                            1493 - ( وعن الأسود عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من عزى مصابا فله مثل أجره } رواه ابن ماجه والترمذي ) .

                                                                                                                                            1494 - ( وعن الحسين بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن قدم عهدها فيحدث لذلك استرجاعا إلا جدد الله تبارك وتعالى له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب } رواه أحمد وابن ماجه )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عمرو بن حزم رواه ابن ماجه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، حدثنا خالد بن مخلد ، حدثني قيس أبو عمارة مولى الأنصار قال : سمعت عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم [ ص: 115 ] فساقه ، وهؤلاء كلهم ثقات إلا قيسا أبا عمارة ففيه لين ، وقد ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا الحاكم ، وقال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن عاصم . ورواه بعضهم عن محمد بن سوقة بهذا الإسناد مثله موقوفا ولم يرفعه ، ويقال : أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم هذا الحديث نقموه عليه ا هـ قال البيهقي : تفرد به علي بن عاصم وقال ابن عدي : قد رواه مع علي بن عاصم محمد بن الفضل بن عطية وعبد الرحمن بن مالك بن مغول وروي عن إسرائيل وقيس بن الربيع والثوري وغيرهم .

                                                                                                                                            وروى ابن الجوزي في الموضوعات من طريق نصر بن حماد عن شعبة نحوه وقال الخطيب : رواه عبد الحكم بن منصور والحارث بن عمران الجعفري وجماعة مع علي بن عاصم وليس شيء منها ثابتا ويحكى عن أبي داود قال : عاتب يحيى بن سعيد القطان علي بن عاصم في وصل هذا الحديث ، وإنما هو عندهم منقطع ، وقال : إن أصحابك الذين سمعوه معك لا يسندونه فأبى أن يرجع قال الحافظ : ورواية الثوري مدارها على حماد بن الوليد وهو ضعيف جدا ، وكل المتابعين لعلي بن عاصم أضعف منه بكثير ، وليس فيها رواية يمكن التعلق بها إلا طريق إسرائيل ، فقد ذكرها صاحب الكمال من طريق وكيع عنه ، ولم أقف على إسنادها بعد قال في التلخيص : وله شاهد أضعف منه من طريق محمد بن عبد الله العرزمي عن أبي الزبير عن جابر ، ساقه ابن الجوزي في الموضوعات وله أيضا شاهد آخر من حديث أبي برزة مرفوعا " من عزى ثكلى كسي بردا في الجنة " .

                                                                                                                                            قال الترمذي : غريب ومن شواهده حديث عمرو بن حزم الذي قبله قال السيوطي في التعقبات : وأخرج البيهقي في الشعب عن محمد بن هارون الفأفاء وكان ثقة صدوقا قال : رأيت في المنام النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله " حديث " علي بن عاصم الذي يرويه عن ابن سوقة " من عزى مصابا " هو عنك ؟ قال : نعم ، فكان محمد بن هارون كلما حدث بهذا الحديث بكى وقال الذهبي : أبلغ ما شنع به على علي بن عاصم هذا الحديث وهو مع ضعفه صدوق في نفسه وله صورة كبيرة في زمانه ، وقد وثقه جماعة .

                                                                                                                                            قال يعقوب بن شيبة : كان من أهل الدين والصلاح والخير والتاريخ وكان شديد التوقي ، أنكر عليه كثرة الغلط مع تماديه على ذلك وقال وكيع : ما زلنا نعرفه بالخير ، فخذوا الصحاح من حديثه ودعوا الغلط وقال أحمد : أما أنا فأحدث عنه كان فيه لجاج ولم يكن متهما وقال الفلاس : صدوق وحديث الحسين في إسناده هشام بن زياد وفيه ضعف عن أمه وهي لا تعرف .

                                                                                                                                            وقوله : ( من عزى مصابا ) فيه دليل على أن تعزية المصاب من موجبات الكسوة من الله تعالى لمن فعل ذلك من حلل كرامته . قوله : ( فله مثل أجره ) فيه دليل على أنه يحصل للمعزي بمجرد التعزية مثل [ ص: 116 ] أجر المصاب وقد يستشكل ذلك باعتبار أن المشقة مختلفة ويجاب عنه بجوابات ليس هذا محل بسطها وثمرة التعزية الحث على الرجوع إلى الله تعالى ليحصل الأجر قال في البحر : والمشروع مرة واحدة لقوله صلى الله عليه وسلم : { التعزية مرة } انتهى قال الهادي والقاسم والشافعي : وهي بعد الدفن أفضل لعظم المصاب بالمفارقة . وقال أبو حنيفة والثوري : إنما هي قبله لقوله صلى الله عليه وسلم : { فإذا وجب فلا تبكين باكية } أخرجه مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم ، والمراد بالوجوب دخول القبر كما وقع في رواية لأحمد ; ولأن وقت الموت حال الصدمة الأولى كما سيأتي ، والتعزية تسلية فينبغي أن يكون وقت الصدمة التي يشرع الصبر عندها

                                                                                                                                            قوله : ( فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب ) فيه دليل على أن استرجاع المصاب عند ذكر المصيبة يكون سببا لاستحقاقه لمثل الأجر الذي كتبه الله له في الوقت الذي أصيب فيه بتلك المصيبة وإن تقادم عهدها ومضت عليها أيام طويلة ، والاسترجاع هو قول القائل : { إنا لله وإنا إليه راجعون }

                                                                                                                                            1495 - ( وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إنما الصبر عند الصدمة الأولى } رواه الجماعة ) .

                                                                                                                                            1496 - ( وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال : { لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول : إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفا من كل هالك ، ودركا من كل فائت ، فبالله فثقوا وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب } رواه الشافعي ) .

                                                                                                                                            1497 - ( وعن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها ، قالت : فلما توفي أبو سلمة قالت : من خير من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : ثم عزم الله لي فقلتها ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها ، قالت : فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه أحمد ومسلم وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            وحديث جعفر بن محمد في إسناده القاسم بن عبد الله بن عمر وهو متروك ، وقد كذبه [ ص: 117 ] أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقال أحمد أيضا : كان يضع الحديث ، ورواه الحاكم عن أنس في مستدركه وصححه ، وفي إسناده عباد بن عبد الصمد وهو ضعيف جدا ، وزاد " فقال أبو بكر وعمر : هذا الخضر " قوله : { إنما الصبر عند الصدمة الأولى } في رواية للبخاري " عند أول صدمة " ونحوها لمسلم والمعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر ، وأصل الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله ، فاستعير للمصيبة الواردة على القلب وقال الخطابي : المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما بعد ذلك وقال غيره : إن المراد ، لا يؤجر على المصيبة ; لأنها ليست من صنعه ، وإنما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره

                                                                                                                                            وأول الحديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة تبكي عند قبر ، فقال : اتقي الله واصبري ، فقالت : إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه ، فقيل لها : إنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : لم أعرفك يا رسول الله ، فقال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى } قوله : { إن في الله عزاء من كل مصيبة } . . . إلخ فيه دليل على أنه تستحب التعزية لأهل الميت بتعزية الخضر عليه السلام

                                                                                                                                            وأصل العزاء في اللغة : الصبر الحسن ، والتعزية : التصبر ، وعزاه : صبره ، فكل ما يجلب للمصاب صبرا يقال له تعزية بأي لفظ كان ، ويحصل به للمعزي الأجر المذكور في الأحاديث السابقة وأحسن ما يعزى به ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد قال : { كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا لها في الموت ، فقال للرسول : ارجع إليها وأخبرها أن لله ما أخذ ولله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب ، } الحديث سيأتي ، وهذا لا يختص بالصغير باعتبار السبب ; لأن كل شخص يصلح أن يقال له وفيه ذلك ولو سلم أن أول الحديث يختص بمن مات له صغير كان الأمر بالصبر والاحتساب المذكور آخر الحديث غير مختص به قوله : ( اللهم أجرني ) قال القاضي : يقال : أجرني بالقصر والمد حكاهما صاحب الأفعال قال الأصمعي وأكثر أهل اللغة : قالوا : هو مقصور لا يمد ، ومعنى أجره الله : أعطاه أجره وجزاه صبره وهمه في مصيبته

                                                                                                                                            قوله : ( وأخلف لي ) قال النووي : هو بقطع الهمزة وكسر اللام قال أهل اللغة : يقال لمن ذهب له مال أو ولد أو قريب أو شيء يتوقع حصول مثله أخلف الله عليك : أي رد عليك مثله فإن ذهب ما لا يتوقع مثله بأن ذهب والد أو عم قيل له : خلف الله عليك بغير ألف : أي كان الله خليفة منه عليك قوله : ( إلا أجره الله ) قال النووي : هو بقصر الهمزة ومدها ، والقصر أفصح وأشهر كما سبق قوله : ( ثم عزم الله لي فقلتها ) أي خلق في عزما




                                                                                                                                            الخدمات العلمية