الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب لا زكاة في الرقيق والخيل والحمر

                                                                                                                                            1543 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه } رواه الجماعة ولأبي داود { ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر } . ولأحمد ومسلم { ليس للعبد صدقة إلا صدقة الفطر } ) .

                                                                                                                                            1544 - ( وعن عمر وجاءه ناس من أهل الشام فقالوا : إنا قد أصبنا أموالا خيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور ، قال : ما فعله صاحباي قبلي فأفعله ، واستشار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وفيهم علي رضي الله عنه ، فقال علي : هو حسن إن لم تكن جزية راتبة يؤخذون بها من بعدك رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            1545 - ( وعن أبي هريرة قال : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمير فيها زكاة ؟ ، فقال ما جاءني فيها شيء إلا هذه الآية الفاذة : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } } رواه أحمد ، وفي الصحيحين معناه )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الأثر المروي عن عمر قال في مجمع الزوائد : رجاله ثقات قوله : { ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه } قال ابن رشيد : أراد بذلك الجنس في الفرس والعبد لا الفرد الواحد ، إذ لا خلاف في ذلك في العبد المتصرف والفرس المعد للركوب ، ولا خلاف أيضا أنها لا تؤخذ من الرقاب ، وإنما قال بعض الكوفيين : تؤخذ منها بالقيمة وقال أبو حنيفة : إنها تجب في الخيل إذا كانت ذكرانا وإناثا نظرا إلى النسل . وله في المنفردة روايتان ، ولا يرد عليه أنه يلزم مثل هذا في سائر السوائم إذا انفردت لعدم التناسل ; لأنه يقول : إنه إذا عدم التناسل حصل فيها النمو للأكل والخيل لا تؤكل عنده قال الحافظ : ثم عنده أن المالك يتخير بين أن يخرج عن كل فرس دينارا أو يقوم ويخرج ربع العشر ، وهذا الحديث يرد عليه . وأجيب من جهته بحمل النفي فيه على الرقبة لا على القيمة وهو [ ص: 163 ] خلاف الظاهر ومن جملة ما يرد به عليه حديث علي عن أبي داود بإسناد حسن مرفوعا { قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة } وسيأتي

                                                                                                                                            واستدل على الوجوب بما وقع في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة { أنه صلى الله عليه وسلم قال في الخيل : ثم لم ينس حق الله في ظهورها } وقد تقدم الجواب عن ذلك في شرح حديث أبي هريرة ومن جملة ما استدل به ما أخرجه الدارقطني والبيهقي والخطيب من حديث جابر عنه صلى الله عليه وسلم : { في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم } وهذا الحديث مما لا تقوم به حجة ; لأنه قد ضعفه الدارقطني والبيهقي ، فلا يقوى على معارضة حديث الباب الصحيح ، وتمسك أيضا بما روي عن عمر أنه أمر عامله بأخذ الصدقة من الخيل ، وقد تقرر أن أفعال الصحابة وأقوالهم لا حجة فيها لا سيما بعد إقرار عمر بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر لم يأخذا الصدقة من الخيل كما في الرواية المذكورة في الباب وقد احتج بظاهر حديث الباب الظاهرية فقالوا : لا تجب الزكاة في الخيل والرقيق لا لتجارة ولا لغيرها وأجيب عنهم بأن زكاة التجارة ثابتة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره فيخص به عموم هذا الحديث

                                                                                                                                            ولا يخفى أن الإجماع على وجوب زكاة التجارة في الجملة لا يستلزم وجوبها في كل نوع من أنواع المال ; لأن مخالفة الظاهرية في وجوبها في الخيل والرقيق الذي هو محل النزاع مما يبطل الاحتجاج عليهم بالإجماع على وجوبها فيهما بالظاهر ما ذهب إليه أهله قوله : ( إن لم تكن جزية . . . إلخ ) ظاهر هذا أن عليا لا يقول بجواز أخذ الزكاة من هذين النوعين ، وإنما حسن الأخذ من الجماعة المذكورين لكونهم قد طلبوا من عمر ذلك . وحديث أبي هريرة المذكور في الباب هو طرف من حديثه المتقدم في أول الكتاب ، وقد شرحناه هنالك ، وقد استدل به على عدم وجوب الزكاة في الحمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن زكاتها فلم يذكر أن فيها الزكاة ، والبراءة الأصلية مستصحبة ، والأحكام التكليفية لا تثبت بدون دليل ، ولا أعرف قائلا من أهل العلم يقول بوجوب الزكاة في الحمير لغير تجارة واستغلال




                                                                                                                                            الخدمات العلمية