الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            1596 - ( وعن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الخازن المسلم الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موقرا طيبة به نفسه ، حتى يدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين } متفق عليه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( طيبة به نفسه ) هذه الأوصاف لا بد من اعتبارها في تحصيل أجرة الصدقة للخازن فإنه إذا لم يكن مسلما لم تصح منه نية التقرب ، وإن لم يكن أمينا كان عليه وزر الخيانة ، فكيف يحصل له أجر الصدقة ، وإن لم تكن نفسه بذلك طيبة لم يكن له نية فلا يؤجر . قوله : ( أحد المتصدقين ) قال القرطبي : لم نروه إلا بالتثنية ومعناه أن الخازن بما فعل متصدق وصاحب المال متصدق آخر فهما متصدقان

                                                                                                                                            قال : ويصح أن يقال على الجمع فتكسر القاف ويكون معناه أنه متصدق من جملة المتصدقين . والحديث يدل على أن المشاركة في الطاعة توجب المشاركة في الأجر ، ومعنى المشاركة أن له أجرا كما أن لصاحبه أجرا ، وليس معناه أنه يزاحمه في أجره ، بل المشاركة في الطاعة في أصل الثواب ، فيكون لهذا ثواب ولهذا ثواب وإن كان أحدهما أكثر ، ولا يلزم أن يكون مقدار [ ص: 197 ] ثوابهما سواء بل قد يكون ثواب هذا أكثر وقد يكون عكسه ، فإذا أعطى المالك خازنه مائة درهم أو نحوها ليوصلها إلى مستحق للصدقة على باب داره فأجر المالك أكثر ، وإن أعطاه رمانة أو رغيفا أو نحوهما حيث له كثير قيمة ليذهب به إلى محتاج في مسافة بعيدة ، بحيث يقابل ذهاب الماشي إليه الأكثر من الرمانة ونحوها فأجر الخازن أكثر . وقد يكون الذهاب مقدار الرمانة فيكون الأجر سواء

                                                                                                                                            قال ابن رسلان : يدخل في الخازن من يتخذه الرجل ، على عياله من وكيل وعبد وامرأة وغلام ، ومن يقوم على طعام الضيفان .

                                                                                                                                            1597 - ( وعن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد فهو غلول } رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات .

                                                                                                                                            وفيه دليل على أنه لا يحل للعامل زيادة على ما فرض له من استعمله ، وأن ما أخذه بعد ذلك فهو من الغلول ، وذلك بناء على أنها إجارة ولكنها فاسدة يلزم فيها أجرة المثل ، ولهذا ذهب البعض إلى أن الأجرة المفروضة من المستعمل للعامل تؤخذ على حسب العمل فلا يأخذ زيادة على ما يستحقه . وقيل : يأخذ ويكون من باب الصرف .

                                                                                                                                            وفي الحديث أيضا دليل على أنه يجوز للعامل أن يأخذ حقه من تحت يده ، ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى: وفيه تنبيه على جواز أن يأخذ العامل حقه من تحت يده ، فيقبض من نفسه لنفسه انتهى




                                                                                                                                            الخدمات العلمية