الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 243 ] 1650 - ( وعن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أنه أمر بالإثمد المروح عن النوم ، وقال : ليتقه الصائم } رواه أبو داود والبخاري في تاريخه ، وفي إسناده مقال قريب . قال ابن معين : عبد الرحمن هذا ضعيف . وقال أبو حاتم الرازي : هو صدوق )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            . الحديث قال ابن المعين أيضا : هو منكر . وقال الذهبي : إنه روي عن سعيد بن إسحاق فقلب اسمه أولا فقال : عن إسحاق بن سعيد بن كعب ، ثم غلط في الحديث فقال : عن أبيه عن جده ، ثم النعمان بن معبد غير معروف . وقد استدل بهذا الحديث ابن شبرمة وابن أبي ليلى فقالا : إن الكحل يفسد الصوم ، وخالفهم العترة والفقهاء فقالوا : إن الكحل لا يفسد الصوم . وأجابوا عن الحديث بأنه ضعيف لا ينتهض للاحتجاج به . واستدل ابن شبرمة وابن أبي ليلى بما أخرجه البخاري تعليقا ، ووصله البيهقي والدارقطني وابن أبي شيبة من حديث ابن عباس بلفظ : { الفطر مما دخل والوضوء مما خرج } .

                                                                                                                                            قال : وإذا وجد طعمه فقد دخل . ويجاب بأن في إسناده الفضل بن مختار وهو ضعيف جدا .

                                                                                                                                            وفيه أيضا شعبة مولى ابن عباس وهو ضعيف . وقال ابن عدي : الأصل في هذا الحديث أنه موقوف . وقال البيهقي : لا يثبت مرفوعا ، ورواه سعيد بن منصور موقوفا من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عنه . ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة . قال الحافظ : وإسناده أضعف من الأول . ومن حديث ابن عباس مرفوعا . واحتج الجمهور على أن الكحل لا يفسد الصوم بما أخرجه ابن ماجه عن عائشة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان وهو صائم } .

                                                                                                                                            وفي إسناده بقية عن الزبيدي عن هشام عن عروة ، والزبيدي المذكور اسمه سعيد بن أبي سعيد ، ذكره ابن عدي وأورد هذا الحديث في ترجمته ، وكذا قال البيهقي وصرح به في روايته ، وزاد أنه مجهول . وقال النووي في شرح المهذب : رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف من رواية بقية عن سعيد بن أبي سعيد وهو ضعيف . قال : وقد اتفق الحفاظ على أن رواية بقية عن المجهولين مردودة انتهى . قال الحافظ : وليس سعيد بن أبي سعيد بمجهول بل هو ضعيف واسم أبيه عبد الجبار على الصحيح .

                                                                                                                                            وفرق ابن عدي بين سعيد بن أبي سعيد الزبيدي فقال : هو مجهول ، وسعيد بن عبد الجبار فقال : هو ضعيف ، وهما واحد . ورواه البيهقي من طريق محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتحل وهو صائم } قال ابن أبي حاتم عن أبيه : هذا حديث منكر ، وقال محمد : إنه منكر الحديث ، وكذا قال البخاري . ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر ، قال في التلخيص : وسنده مقارب . ورواه ابن أبي عاصم في كتاب الصيام له من حديث ابن عمر أيضا بلفظ : { خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مملوءتان من [ ص: 244 ] الإثمد وذلك في رمضان وهو صائم } ورواه الترمذي من حديث أنس في الإذن فيه لمن اشتكت عينه وقال : إسناده ليس بالقوي ، ولا يصح عن النبي في هذا الباب شيء . ورواه أبو داود من فعل أنس ، قال الحافظ : ولا بأس بإسناده . قال : وفي الباب عن بريرة مولاة عائشة في الطبراني . وعن ابن عباس في شعب الإيمان للبيهقي .

                                                                                                                                            والظاهر ما ذهب إليه الجمهور لأن البراءة الأصلية لا تنتقل عنها إلا بدليل ، وليس في الباب ما يصلح للنقل لا سيما بعد أن شد هذا الحديث من عضدها ، وهي على فرض صلاحية حديث الفطر مما دخل للاحتجاج به يكون اكتحال النبي مخصصا للكحل ، وكذلك على فرض صلاحية حديث الباب يكون محمولا على الأمر باجتناب الكحل المطيب ; لأن المروح هو المطيب فلا يتناول ما لا طيب فيه . ويمكن أن يقال : حديث الاكتحال صارف للأمر عن حقيقته ، أعني الوجوب ، فيكون الاكتحال مكروها ، ولكنه يبعد أن يفعل صلى الله عليه وسلم ما هو مكروه .

                                                                                                                                            قوله : ( بالإثمد ) بكسر الهمزة : وهو حجر للكحل كما في القاموس .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية