الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في المريض والشيخ والشيخة والحامل والمرضع

                                                                                                                                            1692 - ( عن أنس بن مالك الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله عز وجل وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ، وعن الحبلى والمرضع الصوم } رواه الخمسة .

                                                                                                                                            وفي لفظ بعضهم " وعن الحامل والمرضع " )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث حسنه الترمذي وقال : ولا يعرف لابن مالك هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد انتهى . وقال ابن أبي حاتم في علله : سألت أبي عنه ، يعني الحديث فقال : اختلف فيه ، والصحيح عن أنس بن مالك القشيري انتهى .

                                                                                                                                            قال المنذري : ومن يسمى بأنس بن مالك من رواة الحديث خمسة : صحابيان هذا وأبو حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنس بن مالك والد الإمام مالك بن أنس روي عنه حديث في إسناده نظر ، والرابع شيخ حمصي حدث ، والخامس كوفي حدث عن حماد بن أبي سليمان والأعمش وغيرهما انتهى . وينبغي أن يكون أنس بن مالك القشيري الذي ذكره [ ص: 273 ] ابن أبي حاتم سادسا إن لم يكن هو الكعبي . الحديث يدل على أن المسافر لا صوم عليه ، وقد تقدم البحث عن ذلك وأنه يصلي قصرا وقد تقدم تحقيقه ، وأنه يجوز للحبلى والمرضع الإفطار ، وقد ذهب إلى ذلك العترة والفقهاء إذا خافت المرضعة على الرضيع ، والحامل على الجنين وقالوا : إنها تفطر حتما . قال أبو طالب : ولا خلاف في الجواز . وقال الترمذي : العمل على هذا عند أهل العلم . وقال بعض أهل العلم : الحامل والمرضع يفطران ويقضيان ويطعمان ، وبه يقول سفيان ومالك والشافعي وأحمد . وقال بعضهم : يفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما ، وإن شاءتا قضتا ولا طعام عليهما ، وبه يقول إسحاق ا هـ . وقد قال بعدم وجوب الكفارة مع القضاء الأوزاعي والزهري والشافعي في أحد أقواله . وقال مالك والشافعي في أحد أقواله : إنها تلزم المرضع لا الحامل إذ هي كالمريض .

                                                                                                                                            1693 - ( وعن سلمة بن الأكوع قال : لما نزلت هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى أنزلت الآية التي بعدها فنسختها . رواه الجماعة إلا أحمد ) .

                                                                                                                                            1694 - ( وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل بنحو حديث سلمة وفيه : ثم أنزل الله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ، ورخص فيه للمريض والمسافر ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام . مختصر لأحمد وأبي داود ) .

                                                                                                                                            1695 - ( وعن عطاء سمع ابن عباس يقرأ { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال ابن عباس : ليست بمنسوخة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا . رواه البخاري ) .

                                                                                                                                            1696 - ( وعن عكرمة أن ابن عباس قال : أثبتت للحبلى والمرضع . رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            حديث معاذ قد اختلف في إسناده اختلافا كثيرا قوله : ( الآية التي بعدها ) هي الآية [ ص: 274 ] المذكورة في حديث معاذ الذي بعده قوله : ( فنسختها ) قد روي عن ابن عمر كما روي عن سلمة من النسخ ذكر البخاري عنه معلقا وموصولا .

                                                                                                                                            وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج والبيهقي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ولا عهد لهم بالصيام ، فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل رمضان فاستكثروا ذلك وشق عليهم ، فكان من يطعم مسكينا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه رخص لهم في ذلك ، ثم نسخه قوله تعالى: { وأن تصوموا خير لكم } ، فأمروا بالصيام } . وهذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق شعبة والمسعودي عن الأعمش مطولا ، وقد اختلف في إسناده اختلافا كثيرا ، وإذا تقرر أن الإفطار والإطعام كان رخصة ثم نسخ لزم أن يصير الصيام حتما واجبا فكيف يصح الاستدلال على ذلك بقوله : { وأن تصوموا خير لكم } والخيرية لا تدل على الوجوب لدلالة قوله : خير لكم على المشاركة في أصل الخير . وأجاب عن ذلك الكرماني جوابا متكلفا حاصله أن المراد أن الصوم خير من التطوع بالفدية والتطوع بها كان سنة والخير من السنة لا يكون واجبا : أي لا يكون شيء خيرا من السنة إلا الواجب ، كذا قال ، ولا يخفى بعده وتكلفه ، فالأولى ما روي عن سلمة بن الأكوع وابن عمر أن الناسخ قوله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وإلى النسخ في حق غير الكبير ممن يطيق الصيام ذهب الجمهور ، قالوا : وحكم الإطعام باق في حق من لم يطق الصيام .

                                                                                                                                            وقال جماعة من السلف منهم مالك وأبو ثور وداود أن جميع الإطعام منسوخ ، وليس على الكبير إذا لم يطق طعام . وقال قتادة : كانت الرخصة لكبير يقدر على الصوم ثم نسخ فيه وبقي فيمن لا يطيق . وقال ابن عباس : إنها محكمة لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير كما وقع في الباب عنه . وقال زيد بن أسلم والزهري ومالك : هي محكمة نزلت في المريض يفطر ثم يبرأ فلا يقضي حتى يدخل رمضان آخر فليلزمه صومه ثم يقضي بعده ويطعم عن كل يوم مدا من حنطة ، فإن اتصل مرضه برمضان ثان فليس عليه إطعام ، بل عليه القضاء فقط . وقال الحسن البصري وغيره : الضمير في " يطيقونه " عائد على الإطعام لا على الصوم ثم نسخ بعد ذلك قوله : ( سمع ابن عباس يقرأ { وعلى الذين يطيقونه } ) هكذا في هذا الكتاب ، وهو لا يناسب قوله آخر الكلام : هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما إلا أن يكون مراد ابن عباس أن ذلك من مجاز الحذف كما روي عن بعض العلماء ، والأصل وعلى الذين لا يطيقونه ، وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ وعلى الذين يطوقونه : أي يكلفونه ولا يطيقونه وهو المناسب لآخر الكلام ، وقد روي عن ابن عباس أنه قال : رخص للشيخ الكبير أن . يفطر ويطعم كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه رواه الدارقطني والحاكم وصححاه ، [ ص: 275 ] وفيه مع ما في الباب عنه وعن معاذ دليل على أنه يجوز للشيخ الكبير العاجز عن الصوم أن يفطر ويكفر

                                                                                                                                            وقد اختلف في قدر طعام المسكين ، فقيل : نصف صاع عن كل يوم من أي قوت ، وبه قال أبو طالب وأبو العباس وغيرهما من الهادوية ، وقيل : صاع من غير البر ونصف صاع منه ، وبه قال أبو حنيفة والمؤيد بالله . وقيل : مد من بر أو نصف صاع من غيره ، وبه قال الشافعي وغيره ، وليس في المرفوع ما يدل على التقدير . قوله : ( أثبتت للحبلى والمرضع ) لفظ أبي داود أن ابن عباس قال في قوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه } قال : كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا ، والحبلى والمرضع إذا خافتا يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا ، وأخرجه البزار كذلك ، وزاد في آخره : وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى : أنت بمنزلة الذي لا يطيقه فعليك الفداء ولا قضاء عليك ، وصحح الدارقطني إسناده .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية