الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            1746 - ( وعن أم هانئ : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بشراب فشرب ، ثم ناولها فشربت ، فقالت : يا رسول الله أما إني كنت صائمة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصائم المتطوع أمير نفسه ، إن شاء صام ، وإن شاء أفطر } رواه أحمد والترمذي .

                                                                                                                                            وفي رواية : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب شرابا ، فناولها لتشرب ، فقالت : إني صائمة ولكني كرهت أن أرد سؤرك ، فقال : يعني إن كان قضاء من رمضان فاقض يوما مكانه ، وإن كان تطوعا ، فإن شئت فاقض ، وإن شئت فلا تقض } رواه أحمد وأبو داود بمعناه ) .

                                                                                                                                            1747 - ( وعن عائشة قالت : { أهدي لحفصة طعام وكنا صائمتين فأفطرنا ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله إنا أهديت لنا هدية واشتهيناها فأفطرنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عليكما صوما مكانه يوما آخر } رواه أبو داود وهذا أمر ندب بدليل قوله : " لا عليكما " ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أم هانئ أخرجه أيضا الدارقطني والطبراني والبيهقي ، وفي إسناده سماك وقد اختلف عليه فيه . وقال النسائي : سماك ليس يعتمد عليه إذا انفرد . وقال البيهقي : في إسناده مقال ، وكذلك قال الترمذي .

                                                                                                                                            وفي إسناده أيضا هارون ابن أم هانئ . قال ابن القطان : لا يعرف .

                                                                                                                                            وفي إسناده أيضا يزيد بن أبي زياد الهاشمي . قال ابن عدي : يكتب حديثه . وقال الذهبي : صدوق رديء الحفظ ، وقد غلط سماك في هذا الحديث فقال في بعض الروايات : إن ذلك كان يوم الفتح وهي عند النسائي والطبراني ، ويوم الفتح كان في رمضان فكيف يتصور أن تكون صائمة قضاء أو تطوعا .

                                                                                                                                            وحديث عائشة أخرجه أيضا النسائي ، وفي إسناده زميل . قال النسائي : ليس بالمشهور . وقال الخطابي : لا يعرف لزميل سماع من عروة ولا ليزيد ، يعني يزيد بن الهاد سماع من زميل ولا تقوم به الحجة . وقال الخطابي : إسناده ضعيف وزميل مجهول .

                                                                                                                                            وأخرج الحديث الترمذي بلفظ : " اقضيا [ ص: 306 ] يوما آخر مكانه " وقال : رواه ابن أبي حفصة وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة عن عائشة مثل هذا يعني مرفوعا ورواه مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا ، ولم يذكروا فيه عروة وهذا أصح ; لأنه روي عن ابن جريج قال : سألت الزهري قلت له : أحدثك عروة عن عائشة ؟ قال : لم أسمع من عروة في هذا شيئا ، ولكني سمعت في خلافة سليمان بن عبد الملك من أناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث فذكره ، ثم أسنده كذلك . وقال النسائي : هذا خطأ . وقال ابن عيينة في روايته : سئل الزهري عنه أهو عن عروة ؟ فقال : لا .

                                                                                                                                            وقال الخلال : اتفق الثقات على إرساله ، وتوارد الحفاظ على الحكم بضعفه ، وضعفه أحمد والبخاري والنسائي بجهالة زميل .

                                                                                                                                            وفي الباب عن عائشة غير الحديث المذكور في الباب { أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها ذات يوم فقال : هل عندكم من شيء ؟ فقدمت له حيسا ، فقال : لقد أصبحت صائما فأكل منه } وقد تقدم في باب وجوب النية وزاد النسائي : " فأكل وقال : أصوم يوما مكانه " قال والنسائي : هي خطأ : يعني الزيادة ، ونسب الدارقطني الوهم فيها إلى محمد بن عمرو الباهلي ، ولكن رواها النسائي من غير طريقه وكذا الشافعي .

                                                                                                                                            وفي الباب أيضا عن أبي سعيد عند البيهقي بإسناد قال الحافظ : حسن قال : { صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ، فلما وضع قال رجل : أنا صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعاك أخوك وتكلف لك ، أفطر فصم مكانه إن شئت } والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أنه يجوز لمن صام تطوعا أن يفطر لا سيما إذا كان في دعوة إلى طعام أحد من المسلمين . ويدل على أنه يستحب للمتطوع القضاء لذلك اليوم . وقد ذهب إلى ذلك الجمهور من أهل العلم

                                                                                                                                            وحكى الترمذي عن قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا عليه القضاء إذا أفطر ، قال : وهو قول مالك بن أنس ، واستدلوا بحديث عائشة المذكور ، وبحديث أبي سعيد في الباب وأجيب عن ذلك بما في حديث أم هانئ من التخيير ، فيجمع بينه وبين حديث عائشة ، وأبي سعيد بحمل القضاء على الندب . ويدل على جواز الإفطار وعدم وجوب القضاء حديث أبي جحيفة المتقدم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرر ذلك ولم يبين لأبي الدرداء وجوب القضاء عليه . وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز . قال ابن المنير : ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } إلا أن الخاص يقدم على العام كحديث سلمان ، وقال ابن عبد البر : من احتج في هذا بقوله تعالى : . { ولا تبطلوا أعمالكم } فهو جاهل بأقوال أهل العلم ، فإن الأكثر على أن المراد بذلك النهي عن الرياء كأنه قال : لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل أخلصوها لله . وقال آخرون : لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب [ ص: 307 ] الكبائر ، ولو كان المراد بذلك النهي عن إبطال ما لم يفرض الله عليه ، ولا أوجب على نفسه بنذر أو غيره لامتنع عليه الإفطار إلا بما يبيح الفطر من الصوم الواجب وهم لا يقولون بذلك انتهى

                                                                                                                                            ولا يخفى أن الآية عامة الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول ، فالصواب ما قال ابن المنير قوله : ( لا عليكما ) فيه دليل على أنه يجوز لمن كان صائما عن قضاء أن يفطر ولا إثم عليه ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل هل الصوم قضاء أو تطوع ؟ ويؤيد ذلك قوله في حديث أم هانئ : " إن كان قضاء من رمضان فاقض يوما مكانه " قوله : ( يعني ) هذه اللفظة ليست في متن الحديث




                                                                                                                                            الخدمات العلمية