الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في استقبال رمضان باليوم واليومين وغير ذلك

                                                                                                                                            1748 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوما فليصمه } . رواه الجماعة ) .

                                                                                                                                            1749 - ( وعن معاوية قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر قبل شهر رمضان : الصيام يوم كذا وكذا ونحن متقدمون فمن شاء فليتقدم ، ومن شاء فليتأخر } رواه ابن ماجه ، ويحمل هذا على التقدم بأكثر من يومين ) .

                                                                                                                                            1750 - ( وعن عمران بن حصين { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا ؟ قال : لا ، فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم فإذا أفطرت رمضان فصم يومين مكانه } متفق عليه .

                                                                                                                                            وفي رواية لهم " من سرر شعبان " ويحمل هذا على أن الرجل كانت له عادة بصيام سرر الشهر أو قد نذره )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            . حديث معاوية في إسناده القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن مولى بني أمية وفيه مقال ، والهيثم بن حميد وفيه أيضا مقال قوله : ( لا يتقدمن أحدكم . . . إلخ ) قال العلماء : معنى الحديث : " لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان " قال الترمذي : لما أخرج هذا الحديث العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان بمعنى رمضان انتهى . وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب فيمن يقصد ذلك . وقد قطع كثير من الشافعية بأن ابتداء المنع من أول السادس عشر من [ ص: 308 ] شعبان . واستدلوا بحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا { إذا انتصف شعبان فلا تصوموا } أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره

                                                                                                                                            وقال الروياني من الشافعية . يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث الباب ، ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الآخر . وقال جمهور العلماء : يجوز الصوم تطوعا بعد النصف من شعبان ، وضعفوا الحديث الوارد في النهي عنه . وقد قال أحمد وابن معين : إنه منكر . وقد استدل البيهقي على ضعفه بحديث الباب ، وكذا صنع قبله الطحاوي واستظهر بحديث أنس مرفوعا { أفضل الصيام بعد رمضان شعبان } لكن إسناده ضعيف كما تقدم ، واستظهر أيضا بحديث عمران بن حصين المذكور في الباب لقوله فيه " من سرر شعبان والسرر بفتح السين المهملة ويجوز كسرها وضمها ، ويقال أيضا سرار بفتح أوله وكسره ، ورجح الفراء الفتح وهو من الاستسرار . قال أبو عبيدة والجمهور . والمراد بالسرر هنا آخر الشهر ، سميت بذلك لاستسرار القمر فيها وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين . ونقل أبو داود عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أن سرره أوله . ونقل الخطابي عن الأوزاعي كالجمهور . وقيل : السرر وسط الشهر حكاه . أبو داود أيضا ورجحه بعضهم . ووجهه بأن السرر جمع سرة ، وسرة الشيء : وسطه . ويؤيده الندب إلى صيام البيض وهي وسط ، وإن لم يرد في صيام آخر الشهر ندب بل ورد فيه نهي خاص بآخر شعبان لمن صامه لأجل رمضان . ورجحه النووي بأن مسلما أفرد الرواية التي فيها سرة هذا الشهر عن بقية الروايات وأردف بها الروايات التي فيها الحض على صيام البيض وهي وسط الشهر كما تقدم . وقد قال الخطابي : إن بعض أهل العلم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سؤاله عن ذلك سؤال زجر وإنكار ; لأنه قد نهى أن يستقبل الشهر بيوم أو يومين . وتعقب بأنه لو أنكر ذلك لم يأمره بقضائه . وأجاب الخطابي باحتمال أن يكون الرجل أوجبها على نفسه ، فلذلك أمره بالوفاء وأن يقضي ذلك في شوال . وقال آخرون : فيه دليل على أن النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إنما هو لمن يقصد به التحري لأجل رمضان . وأما من لم يقصد ذلك فلا يتناوله النهي وهو خلاف ظاهر حديث النهي لأنه لم يستثن منه إلا من كانت له عادة . وقال القرطبي : الجمع بين الحديثين ممكن بحمل النهي على من ليست له عادة بذلك ، وحمل الأمر على من له عادة ، وهذا هو الظاهر ، وقد استثنى من له عادة في حديث النهي بقوله : " إلا أن يكون رجل كان يصوم صوما فليصمه " فلا يجوز صوم النفل المطلق الذي لم تجر به عادة ، وكذلك يحمل حديث معاوية المذكور في الباب بعد ثبوته على من كان معتادا للصوم في ذلك الوقت . وأما قول المصنف : إنه يحمل على المتقدم بأكثر من يومين فغير ظاهر ; لأن حديث العلاء بن عبد الرحمن [ ص: 309 ] المتقدم يدل على المنع من صوم النصف الآخر من شعبان . وقد جمع الطحاوي بين حديث النهي وحديث العلاء بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم

                                                                                                                                            وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان . قال في الفتح : وهو جمع حسن وقد اختلف في الحكمة في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين ، فقيل هي التقوي بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط ، وفيه نظر لأن مقتضى الحديث أنه لو تقدمه بصوم ثلاثة أيام أو أربعة جاز . وقيل : الحكمة خشية اختلاط النفل بالفرض وفيه نظر لأنه يجوز لمن له عادة كما تقدم . وقيل : لأن الحكم معلق بالرؤية ، فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم . قال في الفتح : وهذا هو المعتمد ، ولا يرد عليه صوم من اعتاد ذلك لأنه قد أذن له فيه ، وليس من الاستقبال في شيء ، ويلحق به القضاء والنذر لوجوبهما

                                                                                                                                            قال بعض العلماء : يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالظني .

                                                                                                                                            وفي حديث أبي هريرة بيان لمعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي " صوموا لرؤيته " فإن اللام فيه للتأقيت لا للتعليل . قال ابن دقيق العيد : ومع كونها محمولة على التأقيت فلا بد من ارتكاب مجاز ; لأن وقت الرؤية وهي الليل لا يكون محل الصوم ، وتعقبه الفاكهي بأن المراد بقوله : " صوموا " انووا الصيام والليل كله ظرف للنية . قال الحافظ : فوقع في المجاز الذي فر منه ; لأن الناوي ليس صائما حقيقة بدليل أنه يجوز له الأكل والشرب بعد النية إلى أن يطلع الفجر .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية