الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 355 ] باب دخول مكة بغير إحرام لعذر

                                                                                                                                            1819 - ( عن جابر { : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام } . رواه مسلم والنسائي ) .

                                                                                                                                            1820 - ( وعن مالك عن ابن شهاب عن أنس { : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر ; فلما نزعه جاء رجل فقال : ابن خطل متعلق بأستار الكعبة ، فقال : اقتلوه ، قال مالك : ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ محرما } رواه أحمد والبخاري )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( عمامة سوداء ) فيه جواز لبس السواد وإن كان البياض أفضل منه لما سلف في اللباس والجنائز قوله : ( وعلى رأسه المغفر ) زاد أبو عبيد القاسم بن سلام في روايته " من حديد " وكذا رواه عشرة من أصحاب مالك خارج الموطأ . قال القاضي عياض : وجه الجمع بينه وبين قوله : " وعلى رأسه عمامة سوداء " أن أول دخوله كان وعلى رأسه المغفر ، ثم بعد ذلك كان على رأسه العمامة بدليل قوله في بعض الروايات : فخطب الناس وعليه عمامة سوداء . قوله : ( فقال ابن خطل . . . إلخ ) إنما قتله صلى الله عليه وسلم لأنه كان ارتد عن الإسلام وقتل مسلما كان يخدمه ، وكان يهجو النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسبه ، وكان له قينتان تغنيان بهجاء المسلمين . واسم ابن خطل : عبد العزى

                                                                                                                                            وقال محمد بن إسحاق : اسمه عبد الله . وقال ابن الكلبي : اسمه غالب . وخطل بخاء معجمة وطاء مهملة مفتوحتين . والحديثان يدلان على جواز دخول مكة للحرب بغير إحرام ، وقد اعترض عليه بأن القتال في مكة خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : { فإن ترخص أحد لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها فقولوا : إن الله تعالى أذن لرسوله ولم يأذن لكم } فدل على عدم جواز قياس غيره عليه . ويجاب بأن غاية ما في هذا الحديث اختصاص القتال به صلى الله عليه وسلم وأما جواز المجاوزة فلا ، وأمته أسوته في أفعاله . وقد اختلف في جواز المجاوزة لغير عذر فمنعه الجمهور وقالوا : لا يجوز إلا بإحرام من غير فرق بين من دخل لأحد النسكين أو لغيرهما ، ومن فعل أثم ولزمه دم وروي عن ابن عمر والناصر وهو الأخير من قولي الشافعي وأحد قولي أبي العباس أنه لا يجب الإحرام إلا على من دخل لأحد النسكين لا على من أراد مجرد الدخول . استدل الأولون بقوله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا } وأجيب بأنه تعالى [ ص: 356 ] قدم تحريم الصيد عليهم وهم محرمون في قوله تعالى: { إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم } وقد علم أنه لا إحرام إلا عن أحد النسكين ، ثم أخبرهم بإباحة الصيد لهم إذا حلوا فليس في الآية ما يدل على المطلوب . واستدلوا ثانيا بحديث ابن عباس عند البيهقي بلفظ : { لا يدخل أحد مكة إلا محرما } قال الحافظ : وإسناده جيد . ورواه ابن عدي مرفوعا من وجهين ضعيفين وأخرجه ابن أبي شيبة عنه بلفظ : " لا يدخل أحد مكة بغير إحرام إلا الحطابين والعمالين وأصحاب منافعها " وفي إسناده طلحة بن عمرو ، وفيه ضعف

                                                                                                                                            . وروى الشافعي عنه أيضا أنه كان يرد من جاوز الميقات غير محرم . وقد اعتذر بعض المتأخرين عن حديث ابن عباس هذا بأنه موقوف على ابن عباس من تلك الطرق التي ذكرها البيهقي ، ولا حجة فيما عداها ، ثم عارض ما ظنه موقوفا بما أخرجه مالك في الموطأ أن ابن عمر جاوز الميقات غير محرم ، فإن صح ما ادعاه من الوقف فليس في إيجاب الإحرام على من أراد المجاوزة لغير النسكين دليل ، وقد كان المسلمون في عصره - صلى الله عليه وسلم - يختلفون إلى مكة لحوائجهم ، ولم ينقل أنه أمر أحدا منهم بإحرام كقصة الحجاج بن علاط ، وكذلك قصة أبي قتادة لما عقر حمار الوحش داخل الميقات وهو حلال ، وقد كان أرسله لغرض قبل الحج فجاوز الميقات لا بنية الحج ولا العمرة ، فقرره صلى الله عليه وسلم لا سيما مع ما يقضي بعدم الوجوب من استصحاب البراءة الأصلية إلى أن يقوم دليل ينقل عنها




                                                                                                                                            الخدمات العلمية