الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب بيان وقت الذبح 2127 - ( عن جندب بن سفيان البجلي { أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أضحى قال فانصرف فإذا هو باللحم وذبائح الأضحى تعرف فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ذبحت قبل أن يصلي فقال من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            2128 - ( وعن جابر قال { : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم } . رواه أحمد ومسلم ) .

                                                                                                                                            2129 - ( وعن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم { يوم النحر من كان ذبح قبل الصلاة فليعد } . متفق عليه وللبخاري { من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين } ) وفي الباب عن البراء عند الجماعة كلها بلفظ : { من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء } وقد تقدم بنحو هذا اللفظ

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( من ذبح قبل أن نصلي ) في مسلم قبل أن يصلي أو نصلي الأولى بالياء التحتية الثانية بالنون وهو شك من الراوي . ورواية النون موافقة لقوله في أول الحديث إنها ذبحت قبل أن يصلي ، فإن المراد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وموافقة أيضا لقوله في آخر الحديث : ومن لم يكن [ ص: 147 ] ذبح حتى صلينا وهذا يدل على أن وقت الأضحية بعد صلاة الإمام لا بعد صلاة غيره فيكون المراد بقوله في حديث أنس : " من كان ذبح قبل الصلاة " الصلاة المعهودة وهي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاة الأئمة بعد انقضاء عصر النبوة

                                                                                                                                            ويؤيد هذا ما أخرجه الطحاوي من حديث جابر وصححه ابن حبان { أن رجلا ذبح قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى أن يذبح أحد قبل الصلاة } وظاهر قوله في حديث جابر : فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر . . . إلخ أن الاعتبار بنحر الإمام وأنه لا يدخل وقت التضحية إلا بعد نحره ، ومن فعل قبل ذلك أعاد كما هو صريح الحديث . ويجمع بين الحديثين بأن وقت النحر يكون لمجموع صلاة الإمام ونحره . وقد ذهب إلى هذا مالك فقال : لا يجوز ذبحها قبل صلاة الإمام وخطبته وذبحه . وقال أحمد : لا يجوز قبل صلاة الإمام ويجوز بعدها قبل ذبح الإمام : وسواء عنده أهل القرى والأمصار ونحوه عن الحسن والأوزاعي وإسحاق .

                                                                                                                                            وقال الثوري : يجوز بعد صلاة الإمام قبل خطبته ، وفي أثنائها وقال الشافعي وداود وآخرون : إن وقت التضحية من طلوع الشمس فإذا طلعت ومضى قدر صلاة العيد وخطبته أجزأ الذبح بعد ذلك سواء صلى الإمام أم لا ، وسواء صلى المضحي أم لا وسواء كان من أهل القرى والبوادي ، أو من أهل الأمصار أو من المسافرين . وقال أبو حنيفة : يدخل وقتها في حق أهل القرى والبوادي إذا طلع الفجر ولا يدخل في حق أهل الأمصار حتى يصلي الإمام ويخطب ، فإذا ذبح قبل ذلك لم يجزه . وقالت الهادوية : إن وقتها يدخل بعد صلاة المضحي سواء صلى الإمام أم لا ، فإذا لم يصل المضحي وكانت الصلاة واجبة عليه كان وقتها من الزوال ، وإن كانت الصلاة غير واجبة عليه لعذر من الأعذار أو كان من لا تلزمه صلاة العيد ، فوقتها من فجر النحر ولا يخفى أن مذهب مالك هو الموافق لأحاديث الباب ، وبقية هذه المذاهب بعضها مردود بجميع أحاديث الباب ، وبعضها يرد عليه بعضها .

                                                                                                                                            قال ابن المنذر : وأجمعوا على أنها لا تجوز التضحية قبل طلوع الفجر وأما إذا لم يكن ثم إمام فالظاهر أنه يعتبر لكل مضح . بصلاته وقال ربيعة فيمن لا إمام له : إن ذبح قبل طلوع الشمس لا تجزئه وبعد طلوعها تجزئه وأما آخر وقت التضحية فسيأتي بيانه . وقد تأول أحاديث الباب من لم يعتبر صلاة الإمام وذبحه بأن المراد بها الزجر عن التعجيل الذي يؤدي إلى فعلها قبل وقتها وبأنه لم يكن في عصره صلى الله عليه وسلم من يصلي قبل صلاته ، فالتعليق بصلاته في هذه الأحاديث ليس المراد به إلا التعليق بصلاة المضحي نفسه ، لكنها لما كانت تقع صلاتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم غير متقدمة ولا متأخرة وقع التعليق بصلاته صلى الله عليه وسلم بخلاف العصر الذي بعد عصره فإنها تصلي صلاة العيد في المصر الواحد جماعات متعددة ولا يخفى بعد هذا فإنه لم يثبت أن أهل المدينة ومن حولهم كانوا لا يصلون العيد إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا [ ص: 148 ] يصلح للتمسك لمن جوز الذبح من طلوع الشمس أو من طلوع الفجر ما ورد من أن يوم النحر يوم ذبح ; لأنه كالعام .

                                                                                                                                            وأحاديث الباب خاصة فيبنى العام على الخاص . قوله : ( فليذبح باسم الله ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف أي : قائلا باسم الله .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية