الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            2471 - ( وعن أنس قال : { أتي النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين ، فقال : انثروه في المسجد ، وكان أكثر مال أتي به النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه العباس فقال : يا رسول الله أعطني فإني فاديت نفسي وعقيلا ، قال : خذ ، فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع ، فقال : مر بعضهم يرفعه إلي ؟ قال لا ، قال : ارفعه أنت علي ؟ قال لا : فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يرفعه ، قال : مر بعضهم يرفعه علي ، قال لا ، قال : ارفعه علي أنت ، قال لا ، فنثر منه ثم احتمله على كاهله ، ثم انطلق ، فما زال النبي صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره حتى خفي علينا عجبا من حرصه ، فما قام النبي صلى الله عليه وسلم وثم منها درهم } [ ص: 417 ] رواه البخاري وهو دليل على جواز التفضيل في ذوي القربى وغيرهم وترك تخميس الفيء ، وأنه متى كان في الغنيمة ذو رحم لبعض الغانمين لم يعتق عليه ) .

                                                                                                                                            2472 - ( وعن عائشة أن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة ، فلما حضرته الوفاة قال : يا بنية إني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا ، ولو كنت جددته واحترثته كان لك ، وإنما هو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب الله رواه مالك في الموطإ )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عائشة رواه مالك من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة وروى البيهقي من طريق ابن وهب عن مالك وغيره عن ابن شهاب وعن حنظلة بن أبي سفيان عن القاسم بن محمد نحوه قوله : ( بمال من البحرين ) روى ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال مرسلا أنه كان مائة ألف ، وأنه أرسل به العلاء الحضرمي من خراج البحرين ، قال : وهو أول خراج حمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى البخاري في المغازي من حديث عمرو بن عوف { أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي ، وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم ، فقدم أبو عبيدة بمال فسمعت الأنصار بقدومه } الحديث . فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال ، لكن في كتاب الردة للواقدي أن رسول العلاء بن الحضرمي بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي ، فلعله كان رفيق أبي عبيدة

                                                                                                                                            وأما حديث { جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : لو قد جاء مال البحرين أعطيتك } وفيه { فلم يقدم مال البحرين حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم } الحديث ، فهو صحيح ، والمراد به أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه كان مال خراج أو جزية ، فكان يقدم في كل سنة قوله : ( انثروه ) أي : صبوه قوله : ( وفاديت عقيلا ) أي ابن أبي طالب وكان أسر مع عمه العباس في غزوة بدر ، ويقال إنه أسر معهما الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وأن العباس افتداه أيضا ، وقد ذكر ابن إسحاق كيفية ذلك قوله : فحثا بمهملة ثم مثلثة مفتوحة ، والضمير في ثوبه يعود على العباس قوله : ( يقله ) بضم أوله من الإقلال : وهو الرفع والحمل

                                                                                                                                            قوله : ( مر بعضهم ) بضم الميم وسكون الراء ، وفي رواية " اؤمر " بالهمز قوله : ( يرفعه ) بالجزم ; لأنه جواب الأمر ويجوز الرفع : أي فهو يرفعه ، والكاهل بين الكتفين قوله : ( يتبعه ) بضم أوله من الإتباع قوله : ( وثم منها درهم ) بفتح المثلثة : أي : هناك وفي هذا الحديث بيان كرم النبي صلى الله عليه وسلم وعدم التفاته إلى المال قل أو كثر ، وأن الإمام ينبغي له أن يفرق مال المصالح في مستحقيها ، وأنه يجوز [ ص: 418 ] للإمام أن يضع في المسجد ما يشترك فيه المسلمون من صدقة ونحوها واستدل به ابن بطال على جواز إعطاء بعض الأصناف من الزكاة قال الحافظ : ولا دلالة فيه ; لأن المال لم يكن من الزكاة ، وعلى تقدير كونه منها فالعباس ليس من أهل الزكاة فإن قيل : إنما أعطاه من سهم الغارمين كما أشار إليه الكرماني فقد تعقب ، ولكن الحق أن المال المذكور كان من الخراج أو الجزية وهما من مال المصالح انتهى قوله : ( لم يعتق عليه ) يريد أن العباس وعقيلا قد كان غنمهما النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون وهما رحمان للنبي صلى الله عليه وسلم ولعلي رضي الله عنه ولم يعتقا ، وسيأتي ما يدل على أن هذا مراد المصنف رحمه اللهفي كتاب العتق في باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم ، ولا يظهر لذكر هذا الحديث في هذا الموضع وجهة مناسبة ، فإن المصنف ترجم لافتقار الهبة إلى القبول والقبض وأنه على ما يتعارفه الناس ، فإن أراد أن قبض العباس قام مقام القبول فغير ظاهر ; لأن تقدم سؤاله يقوم مقامه على أن المال المذكور في الحديث لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون الدفع منه إلى العباس وإلى غيره من باب الهبة ، بل هو من مال الخراج أو الجزية كما عرفت ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تولى قسمته بين مصارفه

                                                                                                                                            قوله : ( جاد عشرين وسقا ) بجيم وبعد الألف دال مهملة مشددة ، أي : أعطاها مالا يجد عشرين وسقا ، والمراد أنه يحصل من ثمرته ذلك ، والجد : صرام النخل وهذا الأثر يدل على أن الهبة إنما تملك بالقبض لقوله : " لو كنت جددته واحترثته كان لك " وذلك لأن قبض الثمرة يكون بالجذاذ وقبض الإرث بالحرث وقد نقل ابن بطال : اتفاق العلماء أن القبض في الهبة هو غاية القبول قال الحافظ : وغفل عن مذهب الشافعي ، فإن الشافعية يشترطون القبول في الهبة دون الهدية




                                                                                                                                            الخدمات العلمية